دون السفاح. وظاهر الآية غير هذا الذي فهمه الزمخشري. إذ الظاهر أنه تعالى أحلّ لنا ابتغاء ما سوى المحرمات السابق ذكرها بأموالنا حالة الإحصان ، لا حالة السفاح. وعلى هذا الظاهر لا يجوز أن يعرب : أن تبتغوا مفعولا له ، كما ذهب إليه الزمخشري ، لأنه فات شرط من شروط المفعول له ، وهو اتحاد الفاعل في العامل والمفعول له. لأن الفاعل بقوله : وأحل ، هو الله تعالى. والفاعل في : أن تبتغوا ، هو ضمير المخاطبين ، فقد اختلفا. ولما أحس الزمخشري أن كان أحس بهذا ، جعل أن تبتغوا على حذف إرادة حتى يتحد الفاعل في قوله : وأحلّ ، وفي المفعول له ، ولم يجعل أن تبتغوا مفعولا له إلا على حذف مضاف وإقامته مقامه ، وهذا كله خروج عن الظاهر لغير داع إلى ذلك. ومفعول تبتغوا محذوف اختصارا ، إذ هو ضمير يعود على ما من قوله : ما وراء ذلكم ، وتقديره : أن تبتغوه.
وقال الزمخشري : (فإن قلت) : أين مفعول تبتغوا؟ (قلت) : يجوز أن يكون مقدرا وهو : النساء ، وأجود أن لا يقدر. وكأنه قيل : أن تخرجوا أموالكم انتهى كلامه. فأما تقديره : إذا كان مقدرا بالنساء فإنه لما جعله مفعولا له غاير بين متعلق المفعول له وبين متعلق المعلول. وأما قوله : وأجود أن لا يقدر ، وكأنه قيل : أن تخرجوا أموالكم ، فهو مخالف للظاهر ، لأن مدلول تبتغوا ليس مدلول تخرجوا ، ولأن تعدى تبتغوا إلى الأموال بالباء ليس على طريق المفعول به الصريح ، كما هو في تخرجوا ، وهذا كله تكلف ينبغي أن ينزه كتاب الله عنه.
وظاهر قوله : بأموالكم ، أنه يطلق على ما يسمى مالا وإن قلّ وهو قول : أبي سعيد ، والحسن ، وابن المسيب ، وعطاء ، والليث ، وابن أبي ليلى ، والثوري ، والحسن بن صالح ، والشافعي ، وربيعة قالوا : يجوز النكاح على قليل المال وكثيره. وقيل : لا مهر أقل من عشرة دراهم ، وروي عن عليّ ، والشعبي ، والنخعي ، في آخرين من التابعين. وهو قول : أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، وزفر ، والحسن ، ومحمد بن زياد. وقال مالك : أقلّ المهر ربع دينار أو ثلاثة دراهم. وقال أبو بكر الرازي : من كان له درهم أو درهمان لا يقال عنده مال ، وظاهر قوله : بأموالكم يدلّ على أنه لا يجوز أن يكون المهر منفعة ، لا تعليم قرآن ولا غيره ، وقد أجاز أن يكون المهر خدمتها مدة معلومة جماعة من العلماء ، ولهم في ذلك تفصيل. وأجاز أن يكون تعليم سورة من القرآن الشافعي ، ومنع من ذلك : مالك والليث ، وأبو حنيفة ، وأبو يوسف ، وحججهم في كتب الفقه وفي كتب أحكام القرآن.