تتزوج ، بالحديث الثابت في صحيح البخاري ومسلم ، وهو أنه قيل : يا رسول الله ، الأمة ، إذا زنت ولم تحصن ، فأوجب عليها الحد». قال الزهري : فالمتزوجة محدودة بالقرآن ، والمسلمة غير المتزوجة محدودة بالحديث. وهذا السؤال من الصحابة يقتضي أنهم فهموا أنّ معنى : فإذا أحصن ، تزوجن. وجواب الرسول : يقتضي تقرير ذلك ، ولا مفهوم لشرط الإحصان الذي هو التزوج ، لأنه وجب عليه الحد بالسنة وإن لم تحصن ، وإنما نبه على حالة الإحصان الذي هو التزوج ، لئلا يتوهم أنّ حدها إذا تزوجت كحد الحرة إذا أحصنت وهو الرجم ، فزال هذا التوهم بالإخبار : أنه ليس عليها إلا نصف الحد الذي يجب على الحرائر اللواتي لم يحصن بالتزويج ، وهو الجلد خمسين.
والمراد بالعذاب الجلد كقوله تعالى : (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (١) ولا يمكن أن يراد الرجم ، لأنّ الرجم لا يتنصف. والمراد بفاحشة هنا : الزنا ، بدليل إلزام الحد. والظاهر أنه يجب نصف ما على الحرة من العذاب ، والحرة عذابها جلد مائة وتغريب عام ، فحد الأمة خمسون وتغريب ستة أشهر. وإلى هذا ذهب جماعة من التابعين ، واختاره الطبري. وذهب ابن عباس والجمهور : إلى أنه ليس عليها إلا جلد خمسين فقط ، ولا تغرب. فإن كانت الألف واللام في العذاب لعهد العذاب المذكور في القرآن فهو الجلد فقط ، وإن كانت للعهد في العذاب المستقر في الشرع على الحرة كان الجلد والتغريب. والظاهر وجوب الحد من قوله : فعليهن ، فلا يجوز العفو عن الأمة من السيد إذا زنت ، وهو مذهب الجمهور. وذهب الحسن إلى أن للسيد أن يعفو ، ولم تتعرض الآية لمن يقيم الحد عليها.
قال ابن شهاب : مضت السنة أن يحدّ الأمة والعبد في الزنا أهلوهم ، إلا أن يرفع أمرهم إلى السلطان ، فليس لأحد أن يفتات عليه. وقال ابن أبي ليلى : أدركت بقايا الأنصار يضربون الوليدة من ولائدهم إذا زنت في مجالسهم. وأقام الحد على عبيدهم جماعة من الصحابة منهم : ابن عمر ، وأنس. وجاءت بذلك ظواهر الأحاديث كقوله : «إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد» وبه قال الثوري والأوزاعي. وقال مالك والليث : يحد السيد إلا في القطع ، فلا يقطع إلا الإمام. وقال أبو حنيفة : لا يقيم الحدود على العبيد والإماء إلا السلطان دون الموالي وظاهر الآية يدل على وجوب الحد عليها في حال كونها أمة ، فلو
__________________
(١) سورة النور : ٢٤ / ٢.