تتكبروا عليهن ، فإنّ ذلك ليس مشروعا لكم. وفي هذا وعظ عظيم للأزواج ، وإنذار أنّ قدرة الله عليكم فوق قدرتكم عليهن. وفي حديث أبي مسعود وقد ضرب غلاما له اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا العبد. أو يكون المعنى : إنكم تعصونه تعالى على علو شأنه وكبرياء سلطانه ، ثم يتوب عليكم ، فيحق لكم أن تعفوا عنهن إذا أطعنكم.
(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) الخلاف في الخوف هنا مثله في : واللاتي تخافون. ولما كان حال المرأة مع زوجها إمّا الطواعية ، وإمّا النشوز. وكان النشوز إمّا تعقبه الطواعية ، وإمّا النشوز المستمر ، فإن أعقبته الطواعية فتعود كالطائعة أولا. وإن استمر النشوز واشتدّ ، بعث الحكمان.
والشقاق : المشاقة. والأصل شقاقا بينهما ، فاتسع وأضيف. والمعنى على الظرف كما تقول : يعجبني سير الليلة المقمرة. أو يكون استعمل اسما وزال معنى الظرف ، أو أجرى البين هنا مجرى حالهما وعشرتهما وصحبتهما.
والخطاب في : وإن خفتم ، وفي فابعثوا ، للحكام ، ومن يتولى الفصل بين الناس. وقيل : للأولياء لأنهم الذين يلون أمر الناس في العقود والفسوخ ، ولهم نصب الحكمين. وقيل : خطاب للمؤمنين. وأبعد من ذهب إلى أنه خطاب للأزواج ، إذ لو كان خطابا للأزواج لقال : وإن خافا شقاق بينهما فليبعثا ، أو لقال : فإن خفتم شقاق بينكم ، لكنه انتقال من خطاب الأزواج إلى خطاب من له الحكم والفصل بين الناس ، وإلى أنه خطاب للأزواج ذهب الحسن والسدي. والضمير في بينهما عائد على الزوجين ، ولم يجر ذكرهما ، لكن جرى ما يدل عليهما من ذكر الرجال والنساء.
والحكم : هو من يصلح للحكومة بين الناس والإصلاح. ولم تتعرّض الآية لما ذا يحكمان فيه ، وإنما كان من الأهل ، لأنه أعرف بباطن الحال ، وتسكن إليه النفس ، ويطلع كل منهما حكمه على ما في ضميره من حب وبغض وإرادة صحبة وفرقة. قال جماعة من العلماء : لا بد أن يكونا عارفين بأحوال الزوجين ، عدلين ، حسني السياسة والنظر في حصول المصلحة ، عالمين بحكم الله في الواقعة التي حكما فيها. فإن لم يكن من أهلهما من يصلح لذلك أرسل من غيرهما عدلين عالمين ، وذلك إذا أشكل أمرهما ورغبا فيمن يفصل بينها. وقال بعض العلماء : إنما هذا الشرط في الحكمين اللذين يبعثهما الحاكم. وأما الحكمان اللذان يبعثهما الزوجان فلا يشترط فيهما إلا أن يكونا بالغين عاقلين مسلمين ،