والهجران. وقال الرازي ما ملخصه : يبدأ بلين القول في الوعظ ، فإن لم يفسد فبخشنه ، ثم يترك مضاجعتها ، ثم بالإعراض عنها كلية ، ثم بالضرب الخفيف كاللطمة واللكزة ونحوها مما يشعر بالاحتقار وإسقاط الحرمة ، ثم بالضرب بالسوط والقضيب اللين ونحوه مما يحصل به الألم والإنكاء ولا يحصل عنه هشم ولا إراقة دم ، فإن لم يفد شيء من ذلك ربطها بالهجار وهو الحبل ، وأكرهها على الوطء ، لأن ذلك حقه. وأي شيء من هذه رجعت به عن نشوزها على ما رتبناه لم يجز له أن ينتقل إلى غيره لقوله :
(فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) انتهى. وقوله : فإن أطعنكم أي : وافقنكم وانقدن إلى ما أوجب الله عليهن من طاعتكم. يدل على أنهن كن عاصيات بالنشوز ، وأن النشوز منهن كان واقعا ، فإذن ليس الأمر مرتبا على خوف النشوز. وآخرها يدل على أنه مرتب على عصيانهن بالنشوز ، فهذا مما حمل على تأول الخوف بمعنى التيقن. والأحسن عندي أن يكون ثمّ معطوفا حذف لفهم المعنى واقتضائه له ، وتقديره : واللاتي تخافون نشوزهن ونشزن. كما حذف في قوله : (اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ) (١) تقديره فضرب فانفجرت ، لأن الانفجار لا يتسبب عن الأمر ، إنما هو متسبب عن الضرب. فرتبت هذه الأوامر على الملفوظ به. والمحذوف : أمر بالوعظ عند خوف النشوز ، وأمر بالهجر والضرب عند النشوز.
ومعنى فلا تبغوا : فلا تطلبوا عليهن سبيلا من السبل الثلاثة المباحة وهي : الوعظ ، والهجر ، والضرب. وقال سفيان : معناه لا تكلفوهن ما ليس في قدرتهن من الميل والمحبة ، فإن ذلك إلى الله. وقيل : يحتمل أن يكون تبغوا من البغي وهو الظلم ، والمعنى : فلا تبغوا عليهن من طريق من الطرق. وانتصاب سبيلا على هذا هو على إسقاط الخافض. وقيل : المعنى فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا من سبل البغي لهن والإضرار بهن توصيلا بذلك إلى نشوزهن أي : إذا كانت طائعة فلا يفعل معها ما يؤدي إلى نشوزها. ولفظ عليهن يؤذن بهذا المعنى. وسبيلا نكرة في سياق النفي ، فيعم النهي عن الأذى بقول أو فعل.
(إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً) لما كان في تأديبهن بما أمر تعالى به الزوج اعتلاء للزوج على المرأة ، ختم تعالى الآية بصفة العلو والكبر ، لينبه العبد على أن المتصف بذلك حقيقة هو الله تعالى. وإنما أذن لكم فيما أذن على سبيل التأديب لهن ، فلا تستعلوا عليهن ، ولا
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٦٠.