أن طلاق المعتوه لا يجوز ، والسكران معتوه كالموسوس ، معتوه بالوسواس. ولا يختلفون في أنّ طلاق من ذهب عقله بالبنج غير جائز ، فكذلك من سكر من الشراب. وروي عن عمر ومعاوية وجماعة من التابعين : أنّ طلاقه نافذ عليه وهو قول : أبي حنيفة ، والثوري ، والأوزاعي. قال أبو حنيفة : أفعاله وعقوده كلها ثابتة كأفعال الصاحي إلا الردة ، فإنه إذا ارتد لا تبين امرأته منه. وقال أبو يوسف : يكون مرتدا في حال سكره ، وهو قول الشافعي ، إلا أنه لا يقتله في حال سكره ، ولا يستتيبه. واختلف قوله في الطلاق ، وألزم مالك السكران الطلاق والقود في الجراح والعقل ، ولم يلزمه النكاح والبيع. قال الماوردي : وقد رويت عندنا رواية شاذة أنه لا يلزمه طلاقه. وقال محمد بن عبد الحكم : لا يلزمه طلاق ولا عتاق. واختلفوا في السكر. فقيل : هو الذي لا يعرف صاحبه الرجل من المرأة قاله : جماعة من السلف ، وهو مذهب أبي حنيفة ، ويدل عليه قوله : حتى تعلموا ما تقولون. فظاهره يدل على أنّ السكر الذي يتعلق به الحكم هو الذي لا يعقل صاحبه ما يقول. وقال الثوري : السكر اختلال العقل ، فإذا خلط في قراءته وتكلم بما لا يعرف حده. وقال أحمد : إذا تغير عقله في حال الصحة فهو سكران. وحكى عن مالك نحوه.
قيل : وفي الآية دلالة على أن الشرب كان مباحا في أول الإسلام حتى ينتهي بصاحبه إلى السكر. وقال القفال : يحتمل أنه كان أبيح لهم من الشراب ما يحرك الطبع إلى السخاء والشجاعة والحمية ، وأما ما يزيل العقل حتى يصير صاحبه في حالة الجنون والإغماء فما أبيح قصده ، بل لو أنفق من غير قصد كان مرفوعا عن صاحبه.
(وَلا جُنُباً) هذه حالة معطوفة على قوله : وأنتم سكارى. إذ هي جملة حالية ، والجملة الاسمية أبلغ لتكرار الضمير ، فالتقييد بها أبلغ في الانتفاء منها من التقييد بالمفرد الذي هو : ولا جنبا. ودخول لا دال على مراعاة كل قيد منهما بانفراده. وإذا كان النهي عن إيقاع الصلاة مصاحبة لكل حال منهما بانفراده ، فالنهي عن إيقاعها بهما مجتمعين ، وأدخل في الحظر. والجنب : هو غير الصحابة : لا غسل إلا على من أنزل ، وبه قال الأعمش وداود. وهي مسألة تذكر أدلتها في علم الفقه.
والجنب من الجنابة وهي البعد ، كأنه جانب الطهر ، أو من الجنب كأنه ضاجع ومس بجنبه. قال الزمخشري : الجنب يستوي فيه الواجد والجمع ، والمذكر والمؤنث ، لأنه اسم