يراد بالإعراض الهجر والقطيعة ، فإنّ قوله : وعظهم يمنع من ذلك. وعظهم : أي خوفهم بعذاب الله وازجرهم ، وأنكر عليهم أن يعودوا لمثل ما فعلوا.
والقول البليغ هو الزجر والردع. قال الحسن : هو التوعد بالقتل إن استداموا حالة النفاق. ويتعلق قوله : في أنفسهم بقوله : قل على أحد معنيين ، أي : قل لهم خاليا بهم لا يكون معهم أحد من غيرهم مسارا لأنّ النصح إذا كان في السرّ كان أنجح ، وكان بصدد أن يقبل سريعا. ومعنى بليغا : أي مؤثرا فيهم. أو قل لهم في معنى أنفسهم النجسة المنطوية على النفاق قولا يبلغ منهم ما يزجرهم عن العود إلى ما فعلوا.
وقال الزمخشري : (فإن قلت) : بم تعلق قوله : في أنفسهم؟ (قلت) : بقوله : بليغا أي : قل لهم قولا بليغا في أنفسهم ، مؤثرا في قلوبهم يغتمون به اغتماما ، ويستشعرون منه الخوف استشعارا ، وهو التوعد بالقتل والاستئصال إن نجم منهم النفاق ، وأطلع قرنه ، وأخبرهن أنّ ما في نفوسهم من الدغل والنفاق معلوم عند الله ، وأنه لا فرق بينكم وبين المشركين. وما هذه المكافة إلا لإظهاركم الإيمان ، وإسراركم الكفر وإضماره ، فإن فعلتم ما تكشفون به غطاءكم لم يبق إلا السيت انتهى كلامه. وتعليقه في أنفسهم بقوله : بليغا لا يجوز على مذهب البصريين ، لأن معمول الصفة لا يتقدّم عندهم على الموصوف. لو قلت : هذا رجل ضارب زيدا لم يجز أن تقول : هذا زيدا رجل ضارب ، لأن حق المعمول ألا يحل إلا في موضع يحل فيه العامل ، ومعلوم أن النعت لا يتقدّم على المنعوت ، لأنه تابع ، والتابع في ذلك بمذهب الكوفيين. وأما ما ذكره الزمخشري بعد ذلك من الكلام المسهب فهو من نوع الخطابة ، وتحميل لفظ القرآن ما لا يحتمله ، وتقويل الله تعالى ما لم يقله ، وتلك عادته في تفسيره وهو تكثير الألفاظ. ونسبة أشياء إلى الله تعالى لم يقلها الله تعالى ، ولا دل عليها اللفظ دلالة واضحة ، والتفسير في الحقيقة إنما هو شرح اللفظ المستغلق عند السامع مما هو واضح عنده مما يرادفه أو يقاربه ، أو له دلالة عليه بإحدى طرق الدلالات. وحكي عن مجاهد أن قوله : في أنفسهم متعلق بقوله : مصيبة ، وهو مؤخر بمعنى التقديم ، وهذا ينزه مجاهد أن يقوله ، فإنه في غاية الفساد.
وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً