المنافقين أنها من رؤية العين ، صدوا مجاهرة وتصريحا ، ويحتمل أن يكون من رؤية القلب أي : علمت. ويكون صدهم مكرا وتخابثا ومسارقة حتى لا يعلم ذلك منه إلا بالتأويل عليه. وصدودا : مصدر لصد ، وهو هنا متعد بحرف الجر ، وقد يتعدى بنفسه نحو : «فصدهم عن السبيل» (١) وقياس صدّ في المصدر فعل نحو : صده صدّا. وحكى ابن عطية : أن صدودا هنا ليس مصدرا ، والمصدر عنده صد.
(فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً) قال الزجاج : كيف في موضع نصب تقديره : كيف تراهم ، أو في موضع رفع أي : فكيف صنيعهم والمصيبة. قال الزجاج : قتل عمر الذي ردّ حكم الرسول صلىاللهعليهوسلم. وقيل : كل مصيبة تصيب المنافقين في الدنيا والآخرة ، ثم عاد الكلام إلى ما سبق يخبر عن فعلهم فقال : ثم جاؤك يحلفون بالله. وقيل : هي هدم مسجد الضرار ، وفيه نزلت الآية ، حلفوا دفاعا عن أنفسهم ما أردنا ببناء المسجد إلا طاعة وموافقة الكتاب. وقيل : ترك الاستعانة بهم وما يلحقهم من الذل من قوله : فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا ، والذي قدّمت أيديهم ردهم حكم الرسول أو معاصيهم المتقدّمة أو نفاقهم واستهزاؤهم ثلاثة أقوال. وقيل في قوله : إلا إحسانا وتوفيقا أي : ما أردنا بطلب دم صاحبنا الذي قتله عمر إلا إحسانا إلينا ، وما يوافق الحق في أمرنا. وقيل : ما أردنا بالرفع إلى عمر إلا إحسانا إلى صاحبنا بحكومة العدل ، وتوفيقا بينه وبين خصمه. وقيل : جاؤوا يعتذرون إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم من محاكمتهم إلى غيره ما أردنا في عدولنا عنك إلا إحسانا بالتقريب في الحكم ، وتوفيقا بين الخصوم ، دون الحمل على الحق. وفي قوله : فكيف إذا أصابتهم مصيبة ، وعيد لهم على فعلهم ، وأنهم سيندمون عليه عند حلول بأس الله تعالى حين لا ينفعهم الندم ، ولا يغني عنهم الاعتذار.
(أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) أي : يعلم ما في قلوبهم من النفاق. والمعنى : يعلمه فيجازيهم عليه ، أو يجازيهم على ما أسرّوه من الكفر ، وأظهروه من الحلف الكاذب. وعبر بالعلم عن المجازاة. فأعرض عنهم : أي عن معاتبتهم وشغل البال بهم ، وقبول إيمانهم وأعذارهم. وقيل : المعنى بالإعراض معاملتهم بالرفق والإناة ، ففي ذلك تأديب لهم ، وهو عتابهم. ولا
__________________
(١) سورة النمل : ٢٧ / ٢٤.