(وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً) لما ذكر الطاعة وذكر جزاء من يطيع أتى بصفة العلم التي تتضمن الجزاء أي : وكفى به مجازيا لمن أطاع. قال ابن عطية : فيه معنى أن تقول : فشملوا فعل الله وتفضله من الاعتراض عليه ، واكتفوا بعلمه في ذلك وغيره ، ولذلك دخلت الباء على اسم الله تعالى لتدل على الأمر الذي في قوله : وكفى ، انتهى. وقد بينا فساد قول من يدّعي أنّ قولك : كفى بزيد معناه اكتف بزيد عند الكلام على قوله : (وَكَفى بِاللهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللهِ نَصِيراً) (١). وقال الزمخشري : وكفى بالله عليما ، بجزاء من أطاعه. أو أراد فصل المنعم عليهم ، ومزيتهم من الله لأنهم اكتسبوه بتمكينه وتوفيقه ، وكفى بالله عليما بعباده ، فهو يوفقهم على حسب أحوالهم انتهى. وهي ألفاظ المعتزلة.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً) مناسبة هذه الآية لما قبلها هو أنه تعالى لما ذكر طاعته وطاعة رسوله ، وكان من أهم الطاعات إحياء دين الله ، أمر بالقيام بإحياء دينه ، وإعلاء دعوته ، وأمرهم أن لا يقتحموا على عدوهم على جهالة فقال : خذوا حذركم. فعلمهم مباشرة الحروب. ولما تقدم ذكر المنافقين ، ذكر في هذه الآية تحذير المؤمنين من قبول مقالاتهم وتثبيطهم عن الجهاد ، فنادى أولا باسم الإيمان على عادته تعالى إذا أراد أن يأمر المؤمنين أو ينهاهم ، والحذر والحذر بمعنى واحد. قالوا : ولم يسمع في هذا التركيب الأخذ حذرك لأخذ حذرك. ومعنى خذ حذرك : أي استعد بأنواع ما يستعد به للقاء من تلقاه ، فيدخل فيه أخذ السلاح وغيره. ويقال : أخذ حذره إذا احترز من المخوف ، كأنه جعل الحذر آلته التي يتقي بها ويعتصم ، والمعنى : احترزوا من العدو. ثم أمر تعالى بالخروج إلى الجهاد جماعة جماعة ، وسرية بعد سرية ، أو كتيبة واحدة مجتمعة.
وقرأ الجمهور : فانفروا بكسر الفاء فبهما. وقرأ الأعمش : بضمها فيهما ، وانتصاب ثبات وجميعا على الحال ، ولم يقرأ ثبات فيما علمناه إلا بكسر التاء. وقال الفراء : العرب تخفض هذه التاء في النصب وتنصبها. أنشدني بعضهم :
فلما جلاها بالأيام تحيزت |
|
ثباتا عليها ذلها واكتئابها |
ينشد بكسر التاء وفتحها انتهى. وأوفى أو انفروا للتخيير. وقال ابن عباس : هذه الآية نسختها. (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) (٢) قيل : وإنما عنى بذلك التخصيص إذ ليس يلزم النفر جماعتهم.
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٤٥.
(٢) سورة التوبة : ٩ / ١٢٢.