فعلهم. وقال الزجاج : هذه الجملة اعتراض ، أخبر تعالى بذلك لأنهم كانوا يوادون المؤمنين. وقال أيضا ، وتبعه الماتريدي هذا على التقديم والتأخير تقديره : فإن أصابتكم مصيبة قال : قد أنعم الله عليّ إذ لم أكن معهم شهيدا ، كأن لم تكن بينكم وبينه مودة ، ولئن أصابكم فضل من الله. قال الراغب : وذلك مستقبح ، فإنه لا يفصل بين بعض الجملة وبعض ما يتعلق بجملة أخرى. وقال أيضا : وتبعه أبو البقاء : موضع الجملة نصب على الحال كما تقول : مررت بزيد وكأن لم يكن بينك وبينه معرفة ، فضلا عن مودة. وقال أبو علي الفارسي : هذه الجملة من قول المنافقين الذين أقعدوهم عن الجهاد وخرجوا هم ، كأن لم تكن بينكم وبينه أي : وبين النبي صلىاللهعليهوسلم مودة فيخرجكم معهم لتأخذوا من الغنيمة ، ليبغضوا بذلك الرسول إليهم. وتبع أبو علي في ذلك مقاتلا. قال مقاتل : معناه كأنه ليس من أهل ملتكم ولا مودة بينكم ، يريد : أنّ المبطئ قال لمن تخلف عن الغزو من المنافقين وضعفة المؤمنين ، ومن تخلف بإذن كأن لم تكن بينكم وبين محمد مودة فيخرجكم إلى الجهاد ، فتفوزون بما فاز. وقال أبو عبد الله الرازي : هو اعتراض في غاية الحسن ، لأن من أحب إنسانا فرح عند فرحه ، وحزن عند حزنه ، فإذا قلب القضية فذلك إظهار للعداوة. فنقول : حكى تعالى عن المنافق سروره وقت نكبة المسلمين ، ثم أراد أن يحكي حزنه عند دولة المسلمين بسبب أنه فاتته الغنيمة ، فقبل أن يذكر الكلام بتمامه ألقى قوله : كأن لم يكن بينكم وبينه ، والمراد التعجب. كأنه يقول تعالى : انظروا إلى ما يقوله هذا المنافق ، كأن لم يكن بينكم وبينه مودة أيها المؤمنون ولا مخالطة أصلا ، فهذا هو المراد من الكلام.
وقال قتادة وابن جريج : قول المنافق : يا ليتني كنت معهم على معنى الحسد منه للمؤمنين في نيل رغبته.
وتلخص من هذه الأقوال أن هذه الجملة : إمّا أن يكون لها موضع من الإعراب نصب على الحال من الضمير المستكن في ليقولن ، أو نصب على المفعول بيقولن على الحكاية ، فيكون من جملة المقول ، وجملة المقول هو مجموع الجملتين : جملة التشبيه ، وجملة التمني. وضمير الخطاب للمتخلفين عن الجهاد ، وضمير الغيبة في وبينه للرسول. وعلى الوجه الأول ضمير الخطاب للمؤمنين ، وضمير الغيبة للقائل. وإمّا أن لا يكون لها موضع من الإعراب لكونها اعتراضا في الأصل بين جملة الشرط وجملة القسم وأخرت ، والنية بها التوسط بين الجملتين. أو لكونها اعتراضا بين : ليقولن ومعموله الذي هو جملة التمني ، وليس اعتراضا يتعلق بمضمون هذه الجملة المتأخرة ، بل يتعلق بمضمون الجملتين ،