ونحو هذا روي عن قتادة والسدي ومقاتل. وروي عن ابن عباس أيضا : نزلت واصفة أحوال قوم كانوا في الزمن المتقدم. قال أبو سليمان الدمشقي : كأنه يومىء إلى قصة الذين قالوا : «ابعث لنا ملكا» (١). وقال مجاهد : نزلت في اليهود. وقال الحسن : في المؤمنين لقوله : يخشون الناس ، أي : مشركي مكة. والخشية هي ما طبع عليه البشر من المخافة ، لا على المخالفة. ونحو ما قال الحسن. قال الزمخشري : قال كعّ فريق منهم لا شكا في الدين ولا رغبة عنه ، ولكن نفورا عن الأخطار بالأرواح ، وخوفا من الموت. وقال قوم : كان كثير من العرب استحسنوا الدخول في الدين على فرائضه التي قبل القتال من الصلاة والزكاة ونحوها ، والموادعة ، فلما نزل القتال شق ذلك عليهم وجزعوا له ، فنزلت.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة لأنه تعالى لما أمر بالقتال حين طلبوه وجب امتثال أمر الله ، فلما كعّ عنه بعضهم قال تعالى : ألا تعجب يا محمد من ناس طلبوا القتال فأمروا بالموادعة ، فلما كتب عليهم فرق فريق وجزع. ومعنى كفوا أيديكم : أي عن القتال ، يدل عليه : فلما كتب عليهم القتال. وقال أبو عبد الله الرازي : لا يقال كفوا إلا للراغبين فيه ، وهم المؤمنون. وقيل : يريد المنافقين. وإنما قال : كفوا لأنهم كانوا يظهرون الرغبة فيه انتهى.
وقال أيضا : ودلت الآية على أن إيجاب الصلاة والزكاة كان مقدما على إيجاب الجهاد ، وهذا الترتيب هو المطابق لما في العقول ، لأن الصلاة عبارة عن التعظيم لأمر الله ، والزكاة عبارة عن الشفقة على خلق الله. ولا شك أنهما متقدمان على الجهاد. والفريق إمّا منافقون ، وإما مؤمنون ، أو ناس في الزمان المتقدم ، أو أسلموا قبل فرض القتال حسب اختلاف سبب النزول. والناس هنا أهل مكة قاله الجمهور ، أو كفار أهل الكتاب ومشركو العرب.
ولمّا حرف وجوب لوجوب على مذهب سيبويه ، وظرف زمان بمعنى حين على مذهب أبي علي. وإذا كانت حرفا وهو الصحيح فجوابه إذا الفجائية ، وإذا كانت ظرفا فيحتاج إلى عامل فيها فيعسر ، لأنه لا يمكن أن يعمل ما بعد إذا الفجائية فيما قبلها ، ولا يمكن أن يعمل في لما الفعل الذي يليها ، لأنّ لمّا هي مضافة إلى الجملة بعدها. فقال بعضهم : العامل في لمّا معنى يخشون ، كأنه قيل : جزعوا. قال : وجزعوا هو العامل في إذا
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٤٦.