بتوهم أنه نطق به. وذلك أنه متى كان فعل الشرط ماضيا في اللفظ فإنه يجوز في المضارع بعده وجهان : أحدهما : الجزم على الجواب. والثاني : الرفع. وفي توجيه الرفع خلاف ، الأصح أنّه ليس الجواب ، بل ذلك على التقديم والتأخير ، والجواب محذوف. وإذا حذف الجواب فلا بد أن يكون فعل الشرط ماضي اللفظ ، فتخريج هذه القراءة على هذا يأباه كون فعل الشرط مضارعا. وحمله على ولا ناعب ليس بجيد ، لان ولا ناعب عطف على التوهم ، والعطف على التوهم لا ينقاس. وقال الزمخشري أيضا ويجوز أن يتصل بقوله : (وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً) (١) أي : لا تنقصون شيئا مما كتب من آجالكم أينما تكونوا في ملاحم حروب أو غيرها. ثم ابتدأ بقوله : يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة ، والوقف على هذا الوجه أينما تكونوا انتهى كلامه. وهذا تخريج ليس بمستقيم ، لا من حيث المعنى ، ولا من حيث الصناعة النحوية. أما من حيث المعنى فإنه لا يناسب أن يكون متصلا بقوله : ولا تظلمون فتيلا ، لأن ظاهر انتفاء الظلم إنما هو في الآخرة لقوله : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى) (٢) وأما من حيث الصناعة النحوية فإنه على ظاهر كلامه يدل على أنّ أينما تكونوا متعلق بقوله : ولا تظلمون ، ما فسره من قوله أي : لا تنقصون شيئا مما كتب من آجالكم أينما تكونوا في ملاحم الحرب أو غيرها ، وهذا لا يجوز ، لأن أينما اسم شرط ، فالعامل فيه إنما هو فعل الشرط بعده. ولأن اسم الشرط لا يتقدم عليه عامله ، فلا يمكن أن يعمل فيه ، ولا تظلمون. بل إذا جاء نحو : اضرب زيدا متى جاء ، لا يجوز أن يكون الناصب لمتى اضرب. فإن قال : يقدّر له جواب محذوف يدل عليه ما قبله وهو : ولا تظلمون ، كما يقدر في اضرب زيدا : متى جاء ، فالتقدير : أينما تكونوا فلا تظلمون فتيلا أي : فلا ينقص شيء من آجالكم وحذفه لدلالة ما قبله عليه. قيل له : لا يحذف الجواب إلا إذا كان فعل الشرط بصيغة الماضي ، وفعل الشرط هنا مضارع. تقول العرب : أنت ظالم إن فعلت ، ولا تقل أنت ظالم إن تفعل. وقرأ نعيم بن ميسرة : مشيدة بكسر الياء وصفا لها بفعل فاعلها مجازا ، كما قال : قصيدة شاعرة ، وإنما الشاعر ناظمها.
(وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ) قال ابن عباس : الضمير للمنافقين واليهود ، وقال الحسن : للمنافقين ، وقال السدي : لليهود. والظاهر أنه للمنافقين لأن مثل هذا لا يصدر من مؤمن ، واليهود لم يكونوا في طاعة
__________________
(١) سورة النساء : ٢ / ٧٧.
(٢) سورة النساء : ٤ / ٧٧.