الإسلام حتى يكتب عليهم القتال. وروي عن ابن عباس : أن الحسنة هنا هي السلامة والأمن ، والسيئة الأمراض والخوف. وعنه أيضا : الحسنة الخصب والرخاء ، والسيئة الجدب والغلاء. وعنه أيضا : الحسنة السراء ، والسيئة الضراء. وقال الحسن وابن زيد : الحسنة النعمة والفتح والغنيمة يوم بدر ، والسيئة البلية والشدة والقتل يوم أحد. وقيل : الحسنة الغنى ، والسيئة الفقر. والمعنى : أن هؤلاء المنافقين إذا أصابتهم حسنة نسبوها إلى الله تعالى ، وأنها ليست باتباع الرسول ، ولا الإيمان به ، وإنّ تصبهم سيئة أضافوها إلى الرسول وقالوا : هي بسببه ، كما جاء في قوم موسى : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) (١) وفي قوم صالح : (قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ) (٢). وروى جماعة من المفسرين أن النبي صلىاللهعليهوسلم لما قدم المدينة قال اليهود والمنافقون : ما زلنا نعرف النقص في ثمارنا ومزارعنا مذ قدم علينا هذا الرجل وأصحابه.
(قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) أمر الله نبيه أن يخبرهم أنّ كلّا من الحسنة والسيئة إنما هو من عند الله ، لا خالق ولا مخترع سواه ، فليس الأمر كما زعمتم ، فالله تعالى وحده هو النافع الضار ، وعن إرادته تصدر جميع الكائنات.
(فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) هذا استفهام معناه التعجب من هذه المقالة ، وكيف ينسب ما هو من عند الله لغير الله؟ أي أن هؤلاء كانوا ينبغي لهم أن يكونوا ممن يتفهم الأشياء ، ويتوقفون عما يريدون أن يقولوا حتى يعرضوه على عقولهم. وبالغ تعالى في قلة فهمهم وتعقلهم ، حتى نفى مقاربة الفقه ، ونفي المقاربة أبلغ من نفي الفعل. وهذا النوع من الاستفهام يتضمن إنكار ما استفهم عن علته ، وأنه ينبغي أن يوجد مقابله. فإذا قيل : ما لك قائما ، فهو إنكار للقيام ، ومتضمن أن يوجد مقابله. وإذا قيل : ما لك لا تقوم ، فهو إنكار لترك القيام ، ومتضمن أن يوجد مقابله. قيل في قوله : حديثا ، أي القرآن لو تدبروه لبصرهم في الدين ، وأورثهم اليقين. وقال ابن بحر : لامهم على ترك التفقه فيما أعلمهم به وأدبهم في كتابه. ووقف أبو عمرو والكسائي على قوله : فما ، ووقف الباقون على اللام في قوله : فمال ، اتباعا للخط. ولا ينبغي تعمد ذلك ، لأن الوقف على فما فيه قطع عن الخبر ، وعلى اللام فيه قطع عن المجرور دون حرف الجر ، وإنما يكون ذلك لضرورة انقطاع النفس.
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ١٣١.
(٢) سورة النمل : ٢٧ / ٤٧.