(فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ) أي إذا خرجوا من عندك رووا وسووا أي : طائفة منهم غير الذي تقوله لك يا محمد من إظهار الطاعة ، وهم في الباطن كاذبون عاصون ، فعلى هذا الضمير في تقول عائد على الطائفة ، وهو قول ابن عباس. وقيل : يعود على الرسول أي : غير الذي تقوله وترسم به يا محمد ، وهو الخلاف والعصيان المشتمل عليه بواطنهم. ويؤيد هذا التأويل قراءة عبد الله بيت مبيت منهم يا محمد. وقرأ يحيى بن يعمر يقول : بالياء ، فيحتمل أن يكون الضمير للرسول ، ويكون التفاتا إذ خرج من ضمير الخطاب في من عندك ، إلى ضمير الغيبة. ويحتمل أن يعود على الطائفة ، لأنها في معنى القوم أو الفريق ، وخص طائفته بالتبيين لأنه لم يكونوا ليجتمعوا كلهم في دار واحدة ، أو لأنه إخبار عن من علم الله أنه يبقى على كفره ونفاقه. وأدغم حمزة وأبو عمرو بيت طائفة ، وأظهر الباقون.
(وَاللهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ) أي : يكتبه في صحائف أعمالهم حسبما تكتبه الحفظة ليجازوا به. وقال الزجاج : يكتبه في كتابه إليك ، أي : ينزله في القرآن ويعلم به ويطلع على سرهم. وقيل : يكتب يعلم عبر بالكتابة عن العلم ، لأنه من ثمراتها.
(فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) هذا مؤكد لقوله : (وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) (١) أي لا تحدث نفسك بالانتقام منهم. وليس المعنى فاعرض عن دعوتهم إلى الإيمان وعن وعظهم. وقال الضحاك : معنى أعرض عنهم لا تخبر بأسمائهم فيجاهروك بالعداوة بعد المجاملة في القول ، ثم أمره بإدامة التوكل عليه ، فهو ينتقم لك منهم ، وهذا أيضا قبل نزول القتال.
(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) قرأ الجمهور : يتدبرون بياء وتاء بعدها على الأصل. وقرأ ابن محيصن : بإدغام التاء في الدال ، وهذا استفهام معناه الإنكار أي : فلا يتأملون ما نزل عليك من الوحي ولا يعرضون عنه ، فإنه في تدبره يظهر برهانه ويسطع نوره ولا يظهر ذلك لمن أعرض عنه ولم يتأمله.
(وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) الظاهر أن المضمر في فيه عائد على القرآن ، وهذا في علم البيان الاحتجاج النظري ، وقوم يسمونه المذهب الكلامي. ووجه هذا الدليل أنه ليس من متكلم كلاما طويلا إلا وجد في كلامه اختلاف كثير ، إما في
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٨٠.