والإعراض بالقلب ، أو لكون التولي من علمائهم والإعراض من أتباعهم ، قاله ابن الأنباري. أو جملة مستأنفة أخبر عنهم قوم لا يزال الإعراض عن الحق وأتباعه من شأنهم وعادتهم ، وفي قوله : (بَيْنَهُمْ) دليل على أن المتنازع فيه كان بينهم واقعا لا بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو خلاف ما ذكر في أسباب النزول ، فإن صح سبب منها كان المعنى : ليحكم بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وإن لم يصح حمل على الاختلاف الواقع بين من أسلم من أحبارهم وبين من لم يسلم ، فدعوا إلى التوراة التي لا اختلاف في صحتها عندكم ، ليحكم بين المحق والمبطل ، فتولى من لم يسلم.
قيل وفي هذه الآية دليل على صحة نبوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لأنهم لو لا علمهم بما ادّعاه في كتبهم من نعته وصحة نبوته ، لما أعرضوا وتسارعوا إلى موافقة ما في كتبهم ، حتى ينبؤا عن بطلان دعواه. وفيها دليل على أن من دعاه خصمه إلى الحكم الحق لزمته إجابته لأنه دعاه إلى كتاب الله ، ويعضده : (وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ) (١).
قال القرطبي : وإذا دعي إلى كتاب الله وخالف تعين زجره بالأدب على قدر المخالف ، والمخالف. وهذا الحكم جار عندنا بالأندلس وبلاد المغرب ، وليس بالديار المصرية.
قال ابن خويز منداذ المالكي : واجب على من دعي إلى مجلس الحكم أن يجيب ما لم يعلم أن الحاكم فاسق.
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) الإشارة بذلك إلى التولي ، أي : ذلك التولي بسبب هذه الأقوال الباطلة ، وتسهيلهم على أنفسهم العذاب ، وطمعهم في الخروج من النار بعد أيام قلائل.
وقال الزمخشري : كما طمعت الجبرية والحشوية.
(وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) من أن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم ، كما غرى أولئك بشفاعة رسول الله صلىاللهعليهوسلم في كبائرهم. انتهى كلامه. وهو على عادته من اللهج بسب أهل السنة والجماعة ، ورميهم بالتشبيه ، والخروج إلى الطعن عليهم بأي طريق أمكنه.
__________________
(١) سورة النور : ٢٤ / ٤٨.