اختلفوا في المثل الذي فسروا به ، وذكره قول ابن مسعود وقول عكرمة المتقدمين ، ولا يمكن الحمل إذ ذاك على الحقيقة أصلا ، وكذلك في الموت ، وشدّد حفص ، ونافع ، وحمزة ، والكسائي : الميّت ، في هذه الآية. وفي الأنعام ، والأعراف ، ويونس ، والروم ، وفاطر زاد نافع تشديد الياء في : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) (١) وفي الأنعام و (الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ) (٢) في يس و (لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) (٣) في الحجرات. وقرأ الباقون بتخفيف ذلك ، ولا فرق بين التشديد والتخفيف في الاستعمال ، كما تقول : لين وليّن وهين وهيّن. ومن زعم أن المخفف لما قد مات ، والمشدّد لما قد مات ولما لم يمت فيحتاج إلى دليل.
(وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) تقدّم تفسير نظيره في قوله (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ * كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) (٤) فأغنى ذلك عن إعادته هنا. وقال الزمخشري : ذكر قدرته الباهرة ، فذكر حال الليل والنهار في المعاقبة بينهما ، وحال الحي والميت في إخراج أحدهما من الآخر ، وعطف عليه رزقه بغير حساب دلالة على أن من قدر على تلك الأفعال العظيمة المحيرة للأفهام ، ثم قدر أن يرزق بغير حساب من يشاء من عباده ، فهو قادر على أن ينزع الملك من العجم ويذلهم ، ويؤتيه العرب ويعزهم. انتهى. وهو حسن.
قيل : وتضمنت هذه الآيات أنواعا من : الفصاحة ، والبلاغة ، والبديع.
الاستفهام الذي معناه التعجب في (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ). والإشارة في (نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) فإدخال : من ، يدل على أنهم لم يحيطوا بالتوراة علما ولا حفظا ، وذلك إشارة إلى الإزراء بهم ، وتنقيص قدرهم وذمهم ، إذ يزعمون أنهم أخيار وهم بخلاف ذلك ، وفي قوله (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ) إشارة إلى توليهم وإعراضهم اللذين سببهما افتراؤهم ، وفي (وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ) إشارة إلى أن جزاء أعمالهم لا ينقص منه شيء.
والتكرار في (نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ) إما في اللفظ والمعنى إن كان المدلول واحدا ، وإما في اللفظ إن كان مختلفا. وفي التولي والإعراض إن كانا بمعنى واحد. وفي : (مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ) وتكراره في جمل للتفخيم والتعظيم إن كان المراد واحدا ، وإن اختلف كان من تكرار اللفظ فقط ، وتكرار (مَنْ تَشاءُ) وفي (تُولِجُ) وفي (تُخْرِجُ) وفي متعلقيهما. والاتساع في جعل : في ،
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ١٢٢.
(٢) سورة يس : ٣٦ / ٣٣.
(٣) سورة الحجرات : ٤٩ / ١٢.
(٤) سورة البقرة : ٢ / ٢١٢ و ٢١٣.