بمعنى : على ، على قول من زعم ذلك في قوله (تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ) أي على النهار ، (وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) أي على الليل. وعبر بالإيلاج عن العلو والتغشية.
والنفي المتضمن الأمر في (لا رَيْبَ فِيهِ) على قول الزجاج ، أي لا ترتابوا فيه ، والتجنيس المماثل في (مالِكَ الْمُلْكِ) والطباق : في : تؤتي وتنزع ، وتعز وتذل ، وفي الليل والنهار ، وفي الحي والميت. ورد العجز على الصدر في : تولج ، وما بعده ، والحذف وهو في مواضع مما يتوقف فهم الكلام على تقديرها. كقوله (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) أي من تشاء أن تؤتيه. والإسناد المجازي في (لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) أسند الحكم إلى الكتاب لأنه يبين الأحكام فهو سبب الحكم. وروي في الحديث : «إن من أراد قضاء دينه قرأ كل يوم : قل اللهم مالك الملك إلى بغير حساب. ويقول رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ، تعطي منهما من تشاء اقض عني ديني. فلو كان ملء الأرض ذهبا لأداه الله».
(لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) قيل : نزلت في عبادة بن الصامت ، كان له حلفاء من اليهود فأراد أن يستظهر بهم على العدو. وقيل : في عبد الله بن أبي وأصحابه كانوا يتوالون اليهود. وقيل : في قوم من اليهود ، وهم : الحجاج بن عمر ، وكهمس بن أبي الحقيق ، وقيس بن يزيد ، كانوا يباطنون نفرا من الأنصار يفتنونهم عن دينهم فنهاهم قوم من المسلمين وقالوا : اجتنبوا هؤلاء اليهود ، فأبوا ، فنزلت هذه الأقوال مروية عن ابن عباس. وقيل : في حاطب بن أبي بلتعة ، وغيره كانوا يظهرون المودة لكفار قريش ، فنزلت.
ومعنى : اتخاذهم أولياء : اللطف بهم في المعاشرة ، وذلك لقرابة أو صداقة. قبل الإسلام ، أو يد سابقة أو غير ذلك ، وهذا فيما يظهر نهوا عن ذلك ، وأما أن يتخذ ذلك بقلبه ونيته فلا يفعل ذلك مؤمن ، والمنهيون هنا قد قرر لهم الإيمان ، فالنهي هنا إنما معناه النهي عن اللطف بهم والميل إليهم ، واللطف عام في جميع الأعصار ، وقد تكرر هذا في القرآن. ويكفيك من ذلك قوله تعالى : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ) (١) الآية ، والمحبة في الله والبغض في الله أصل عظيم من أصول الدين.
وقرأ الجمهور : لا يتخذ ، على النهي. وقرأ الضبي برفع الذال على النفي ، والمراد به النهي ، وقد أجاز الكسائي فيه الرفع كقراءة الضبي.
__________________
(١) سورة المجادلة : ٥٨ / ٢٢.