أمه ، وإن لم يظفر بأحد من نسائكم ، فلعمري ليفدين رمة أمه بمال كثير ، إن كان بها برا» (١).
وكانت زعيمة هذا الرأي هند زوجة أبي سفيان ، فاستشار أبو سفيان أهل الرأي من قريش ، فقالوا : لا تذكر من هذا شيئا ؛ فلو فعلنا نبشت بنو بكر وخزاعة موتانا.
وسارت قريش حتى نزلت بذي الحليفة ، وسرّحوا إبلهم في زروع المدينة ، التي كان المسلمون قد أخلوها من آلة الزرع قبل ذلك ، وأرسل النبي «صلى الله عليه وآله» بعض العيون لمراقبتهم ، وأرسل أيضا الحباب بن المنذر سرّا لمعرفة عددهم وعدتهم ، وقال له : إذا رجعت فلا تخبرني بين أحد من المسلمين ، إلا أن ترى في القوم قلة ، فرجع إليه فأخبره خاليا ، وأمره الرسول «صلى الله عليه وآله» بالكتمان (٢).
ونشير نحن هنا إلى أمرين :
الأول : معرفة النبي صلى الله عليه وآله بواقع أصحابه :
إن سبب أمره «صلى الله عليه وآله» عينه الذي أرسله إليهم بذلك واضح ، فإن معرفة المسلمين بعددهم وعدتهم سوف يثبط من عزائم بعضهم ، ممن اعتادوا أن يقيسوا الأمور بالمقاييس المادية ، ولم يتفاعلوا بعد مع دينهم وعقيدتهم ، بشكل كامل ، ولا اطلعوا على تعاليم الإسلام وأهدافه ، وارتبطوا بها عقليا ، ووجدانيا ، وعاطفيا ، وسلوكيا ، بنحو أعمق وأقوى ، وإنما دخلوا في
__________________
(١) المغازي للواقدي ج ١ ص ٢٠٦.
(٢) المغازي للواقدي ج ١ ص ٢٠٧ و ٢٠٨.