طويلة ، وسنين عديدة على وفاة سيدة النساء «عليها السلام» ، ونسي الناس أو كادوا ، أو بالأحرى ما عادوا يهتمون بهذا الأمر ، ارتفع هذا المنع على يد عمر نفسه ، وبكى على النعمان بن مقرن الذي توفي سنة ٢١ ه وعلى شيخ آخر ، وسمح بالبكاء على خالد بن الوليد ، الذي توفي سنة ٢١ أو ٢٢ حسبما تقدم.
وهذا غير ما تقدم قبل صفحات عن مصادر كثيرة : من النهي عن خمش الوجوه ، وشق الثياب ، واللطم ، والنوح بالباطل. فإنه غير البكاء وهياج العواطف الإنسانية الطبيعية. وذلك لأن الأول ينافي التواضع لله عز وجل والتسليم لقضائه ؛ أما الثاني فهو من مقتضيات الجبلة الإنسانية ، ودليل اعتدال سجية الإنسان. وشتان ما بينهما.
التوراة والمنع من البكاء على الميت :
ويبدو لنا أن المنع من البكاء على الميت مأخود من أهل الكتاب ؛ فإن عمر كان يحاول هذا المنع في زمن النبي «صلى الله عليه وآله» بالذات ؛ ولم يرتدع بردع النبي له إلا ظاهرا.
فلما توفي «صلى الله عليه وآله» ولم يبق ما يحذر منه ، صار الموقف السياسي يتطلب الرجوع إلى ما عند أهل الكتاب ، فكان منع الزهراء «عليها السلام» عن ذلك ، كما قدمنا.
وقد جاء هذا موافقا للهوى والدافع الديني والسياسي على حد سواء.
ومما يدل على أن ذلك مأخوذ من أهل الكتاب : أنه قد جاء في التوراة :
«يا ابن ، ها أنذا آخذ عنك شهوة عينيك بضربة ؛ فلا تنح ولا تبك ، ولا