إلى البقيع يندبن رسول الله ، في ظل أراكة (١) كانت هناك ، فلما قطعت بنى لها علي بيتا في البقيع كانت تأوي إليه للنياحة ، يدعى : بيت الأحزان. وكان هذا البيت يزار في كل خلف من هذه الأمة» (٢).
وأقول : إن من القريب جدا : أن يكون حديث : «إن الميت ليعذب ببكاء الحي» قد حرف عن حديث (البكاء على اليهودية المتقدم) ؛ لدوافع سياسية لا تخفى ؛ فإن السلطة كانت تهتم بمنع فاطمة «عليها السلام» من البكاء على أبيها.
فيظهر : أن هذا المنع قد استمر إلى حين استقر الأمر لصالح الهيئة الحاكمة ، ولذلك لم يعتن عمر بغضب عائشة ، ومنعها إياه من دخول بيتها حين وفاة أبي بكر ، فضرب أم فروة أخت أبي بكر بدرته ، وقد فعل هذا رغم أن البكاء والنوح كان على صديقه أبي بكر ، وكان هجومه على بيت عائشة ، وكان ضربه لأخت أبي بكر. وهو الذي كان يهتم بعائشة ويحترمها ، وهي المعززة المكرمة عنده ، ويقدر أبا بكر ومن يلوذبه ، ويحترم بيته بما لا مزيد عليه.
نعم ، لقد فعل كل هذا لأن الناس لم ينسوا بعد منع السلطة لفاطمة «عليها السلام» من النوح والبكاء على أبيها.
وناهيك بهذا الإجراء جفاء وقسوة : أن يمنع الإنسان من البكاء على أبيه ، فكيف إذا كان هذا الأب هو النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» أعظم ، وأكمل ، وأفضل إنسان على وجه الأرض. ثم لما ارتفع المانع ، ومضت مدة
__________________
(١) الأراك : نوع شجر.
(٢) النص والإجتهاد ص ٢٣٤.