الكفر ، وإنما هي زلة ، تداركها على الفور ، وتاب منها. كما أن ما صدر منه ـ كما تحكيه القصة أيضا ـ لم يكن لأجل عدم إيمان قلبه بهذا الدين ، وإنما أخذته الشفقة عليهم لما رآهم يبكون.
ولا يفوتنا التنبيه إلى أن آية سورة المائدة ، إن جاءت لتقرع أبا لبابة قبل توبته ، فهي تأبى عن قبول حصول التوبة منه ، لأنها تجعله من المنافقين ، ثم تقرنه باليهود لعنهم الله ، مع مزيد من التقريع الحاد والقوي.
سابعا : «ذكر سعيد بن المسيب : أن ارتباطه بسارية التوبة كان بعد تخلفه عن غزوة تبوك ، حين أعرض رسول الله «صلى الله عليه وآله» عنه وهو عليه عاتب بما فعل يوم قريظة ، ثم تخلف عن غزوة تبوك في من تخلف» (١).
وبعبارة أخرى : إنه لما أشار إلى حلقه أخبر عنه رسول الله «صلى الله عليه وآله» بذلك وقال له «صلى الله عليه وآله» : أحسبت أن الله غفل عن يدك حيث تشير إليهم إلى حلقك. فلبث جنبا ورسول الله «صلى الله عليه وآله» عاتب عليه. ثم لما غزا تبوك كان أبو لبابة فيمن تخلف. فلما قفل «صلى الله عليه وآله» جاءه أبو لبابة يسلم عليه ، فأعرض عنه «صلى الله عليه وآله» ، ففزع أبو لبابة ، وارتبط بالسارية (٢).
فهذا يعني : أن رسول الله بقي عاتبا عليه بما فعله يوم بني قريظة ، إلى غزوة تبوك ، فلو كان أبو لبابة قد تاب وارتبط إلى سارية المسجد ، ثم إن الله قبل توبته ، وحله رسول الله «صلى الله عليه وآله» بيده ، فلماذا يبقى عاتبا
__________________
(١) تاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٥٧.
(٢) راجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٣٧ ودلائل النبوة للبيهقي ج ٤ ص ١٦.