وهي من الأمور التي ربما يكون المراد منها ترتيب الأوضاع فيما يرتبط بالأساليب العامة ، التي يراد لها أن تهيمن على حركة الواقع ، وفق الضوابط الدينية والإيمان ..
وقد دلت هذه الوصية : على أن النبي «صلىاللهعليهوآله» لم يكن يتصرف بصورة انفعالية ومتشنجة ، فلم يطلب من أصحابه أن يغيروا على الناس هناك ، ويوقعوا بهم ، ولا أن يقتلوا ، ويأسروا ، ويغنموا. بل هو قد أمرهم بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ، وفق المقررات التي تقدمت ، مع ملاحظة ما يلي :
أولا : إنه «صلىاللهعليهوآله» طلب من أصحابه أن يبدأوا حركتهم من ذلك الموضع الذي تعرض فيه أحد المؤمنين لأفحش الظلم ، حيث قتل صبرا بحد السيف. وهذا من شأنه أن يزيد أصحابه «صلىاللهعليهوآله» بصيرة في أمرهم ، ويفرض عليهم أن يتعاملوا مع الأمور بروح المسؤولية ، والإنصاف ، والانضباط ، ضمن الحدود ، والأحكام الشرعية. إذ لا مجال للانفعال ، والعبثية ، ولا مكان للظلم والتعدي في حركة الإنسان المسلم ..
ثانيا : إنه «صلىاللهعليهوآله» إنما طلب منهم أن يدعوا من يجدونه في ذلك الموضع إلى الإسلام ، ولم يحدد لهم فئة ولا أشخاصا بأعينهم ، ولم يذكر لهم اسم شرحبيل بن عمرو الغساني ، ربما لعلمه «صلىاللهعليهوآله» أنهم لن يصادفوه هناك ، حيث سيكون في ضمن جيش الروم ، كما أنه يريد أن يبعد القضية عن أجواء الانتقام من الأشخاص ، وعن حدود النظرة الضيقة ، لتصبح قضية قيم ومبادئ ، يراد لها أن تكون هي المهيمنة على سلوك الناس ، وعلى قراراتهم ، ومواقفهم ، وكل حياتهم ..