وللموفدين ، فإن جميع الأمم على اختلاف أديانها ، وعاداتها ، وحالاتها تمنع من قتل الرسل ، وتلتزم بحمايتهم من كل مكروه .. وترى التعدي عليهم عيبا ، بل إن التعدي على حامل الرسالة يعطي الحق لدى البشر جميعا بمعاقبة فاعل ذلك ، ولا يعتبرون هذه العقوبة من مفردات التعدي والظلم للآخرين ..
ولعل بعض ما ذكرناه يفسر لنا حقيقة : أنه لم يقتل لرسول الله «صلىاللهعليهوآله» رسول غيره ، رغم كثرة رسله ومبعوثيه إلى مختلف الفئات ، وفي جميع الاتجاهات.
على أن ما فعله شرحبيل قد جاء أشد قباحة ، وأظهر وقاحة ، باعتبار أنه لم يتثبت من مضمون الرسالة ، فلعلها رسالة سلام ووئام ، تحقن بها الدماء ، وتصان بها الحقوق ..
علما بأن هذه الرسالة لم تكن تعني شرحبيل في شيء ، وإنما هي مرسلة إلى غيره ، فلماذا يتدخل في شيء لا يعنيه؟! ولماذا يفوّت على غيره فرصا ، أو يحرمه من منافع يسعى للحصول عليها؟!.
وأخيرا نقول :
ونحن وإن كنا نعتقد : أن تجهيز الجيش إلى مؤتة ، قد كانت له أهداف جليلة ، لعل أهونها منع ذلك الجيش العظيم جدا من الزحف نحو المدينة ، ومن السعي لامتلاك الحجاز كله .. حيث ستصبح الأمور بالغة التعقيد ..
لكن مما لا شك فيه : أن قتل شرحبيل بن عمرو الغساني ، لمبعوث النبي «صلىاللهعليهوآله» إلى بصرى ، قد أطلق الشرارة الأولى باتجاه الحرب ، ومثّل حافزا للمسلمين لينفروا لمواجهة الخطر ، وليكونوا طليعة جيش الإسلام ،