يأتوا مؤتة ، فغشيتهم ضبابة ، فلم يبصروا حتى أصبحوا على مؤتة.
ونقول :
أولا : لم يظهر لنا أي سبب يدعو إلى نهي النبي «صلىاللهعليهوآله» لهم عن أن يأتوا مؤتة.
والحال أن المقصود هو ـ كما يزعمون ـ : مواجهة الذين قتلوا الحارث بن عمير وكانوا في مؤتة ..
بل قد صرحت الروايات المتقدمة : بأن النبي «صلىاللهعليهوآله» أمرهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير ، وأن يدعوا من هناك إلى الاسلام ..
ثانيا : إن الذي تغشاه الضبابة حتى لا يبصر ؛ لا يواصل المشي بصورة عشوائية ، ولا يرضى لنفسه بأن يبقى تائها في الصحراء لا يدري أين تنتهي به قدماه .. خصوصا ، وأن السير في تلك الصحارى لا يستقيم بدون أدلاء من ذوي الخبرة ، وما أكثر ما تاه الناس عن الطريق حتى مع الأدلاء ، فابتلعتهم الصحراء حتى ماتوا جميعا جوعا أو عطشا. فمن تغشاه الظلمة حتى لا يبصر ، لا بد أن يقف في مكان ، ولا يتحرك إلى أن ينقشع الضباب ، ويتمكن من رؤية الطريق.
ثالثا : إذا كان الروم قد جمعوا مائتي ألف ، أو أكثر بكثير ، فإن ذلك لم يكن ليخفى على رسول الله «صلىاللهعليهوآله» ، الذي كانت عيونه مبثوثة في كل مكان .. وهو يلاحق جميع الاحتمالات ، في مختلف الاتجاهات ، حتى ليكاد يحصي على أعدائه أنفاسهم ، وتبلغه عنهم كل شاردة وواردة.
وكان هو نفسه قد غزا دومة الجندل في البلقاء قبل مدة ، وكان يرصد كل المواقع التي يحتمل أن يكون لها ميل لمهاجمته ، فهل يغفل عن بلاد الشام ،