يتوقع أن تمر فيه الخيل لكي يراهم ، ولا يراه أحد منهم.
فأقام من حين زوال الشمس ظهرا إلى الليل ، فلم يمر به أحد. ولا طلبه أحد منهم ، ولكن الرعب الذي دخله صوّر له ذلك ..
ثم إن الحارث ذكر ذلك لعيينة ، فأقر له به ، وأنه خاف أن يؤسر.
فقال له الحارث : أيها الرجل قد رأيت ورأينا معك أمرا بيّنا في بني النضير ، ويوم الخندق ، وقريظة ، وقبل ذلك قينقاع ، وفي خيبر ، إنهم كانوا أعز يهود الحجاز كله ، يقرون لهم بالشجاعة والسخاء ، وهم أهل حصون منيعة ، وأهل نخل.
والله ، إن كانت العرب لتلجأ إليهم فيمتنعون بهم ، لقد سارت حارثة بن الأوس حيث كان بينهم وبين قومهم ما كان ، فامتنعوا بهم من الناس. ثم قد رأيت حيث نزل بهم كيف ذهبت تلك النجدة! وكيف أديل عليهم!!
فقال عيينة : هو ـ والله ـ ذاك! ولكن نفسي لا تقرّني.
فقال الحارث : فادخل مع محمد!
قال : أصير تابعا؟! قد سبق قوم إليهم ، فهم يزرون بمن جاء بعدهم ، يقولون : شهدنا بدرا وغيرها.
قال الحارث : وإنما هو على ما ترى ، فلو تقدمنا إليه لكنا من علية أصحابه ، قد بقي قومه بعدهم منه في موادعة ، وهو موقع بهم وقعة ما وطئ له الأمر.
قال عيينة : أرى والله.
فاتّعدا يريدان الهجرة ، فمر بهم فروة بن هبيرة القشيري يريد العمرة ، وهما يتقاولان ، فأخبراه بأمرهما. فطلب منهما الانتظار إلى أن ينظرا ما يصنع أهل مكة ، فأخرا القدوم.