حققناه سابقا ، بل انه لا تحقق لها إلا بها حسبما دلت عليه تلك الأخبار التي قدمناها في المقام الأول ـ لم يظهر للتداخل وجه بالكلية ، فإنه كما لا تداخل بين الوضوء والغسل لتغاير الغرضين المترتبين على كل منهما ، فلا تداخل بين الغسلين المختلفي الغايتين بل يجب لكل منهما غسل على حدة ، ولهذا ذهب البعض ـ كما تقدم نقله ـ الى عدم التداخل مطلقا ، نظرا إلى اختلاف الأسباب فيجب اختلاف المسببات.
وان كان جملة من أصحابنا من المتأخرين المانعين من رفع الغسل المستحب ، لما وردت عليهم الأخبار الدالة على التداخل في الأغسال المستحبة ورأوا انه لا مندوحة عن العمل بها ، تكلفوا للتفصي عن ذلك بوجوب تعيين الأسباب فيها ، وصرحوا بأنه لو نوى البعض خاصة اختص صحة الغسل بما نواه. إلا ان الأخبار ـ كما عرفت ـ لا دلالة لها على ذلك بل هي دالة على عدمه.
ولهذا ان بعضهم ـ بعد ان اعترف بدلالة الأخبار على ما ذكرناه ـ استشكل فيما لو قصد معينا ، فكيف يجزئ عما لم يعينه؟ ثم أجاب انه ليس بعيدا من كرم الله تعالى إيصال الثواب بهذا الفعل الخاص في هذا الوقت المشتمل على شرعية هذه الأغسال مع فعله متقربا ، كما قيل في حصول ثواب الجماعة للإمام مع عدم شعوره بأن أحدا يصلي وراءه وغير ذلك. انتهى.
وأيضا فإنه لما وردت عليهم اخبار تداخل الأغسال الواجبة والمستحبة ، أشكل عليهم المخرج منها باعتبار تضاد وجهي الوجوب والاستحباب ، واعتبار نية السبب ، بل لزوم اتصاف شيء واحد بمتضادين ، وهو كون غسل واحد واجبا وندبا ، وهو بديهي البطلان
وأجابوا تارة بعدم وجوب نية الوجه اما مطلقا أو فيما نحن فيه للاخبار ، وتارة باختيار نية الوجوب ودخول المندوب فيه وسقوط اعتبار السبب هنا بمعنى تأدي إحدى الوظيفتين بفعل الأخرى ، كما تتأدى صلاة التحية بقضاء الفريضة ، وصيام أيام البيض بصيام الواجب فيها. وبالجملة فالواقع هو الغسل الواجب خاصة لكن الوظيفة المسنونة تتأدى به