ثم ان الفرق بين جاهل الغصب والنجاسة كما ذكروا ـ معللين له بان مانع النجاسة ذاتي فلا يضره الجهل ، بخلاف الغصب ، فإنه عرضي بسبب النهي عن التصرف في مال الغير ، ومع الجهل والنسيان لا يتحقق النهي لعدم التكليف ، فينتفي المانع ـ محل نظر يظهر مما حققناه آنفا. هذا في جاهل الغصب وناسية.
اما جاهل حكم الغصب وناسية فهو عندهم في حكم العمد ، لوجوب التعلم عليهما وضمهما الجهل إلى التقصير فلا يعد تقصيرهما عذرا. وأنت خبير بما فيه من الوهن والضعف. لما أشرنا إليه آنفا من قيام دليلي العقل والنقل على معذورية الجاهل ، أعم من ان يكون جاهلا بالأصل أو الحكم ، وتقصيره في التعلم غاية ما يوجبه حصول الإثم لإخلاله بذلك على ما ذكرناه في كتاب الدرر النجفية ، حيث حققنا هناك المقام بمزيد بسط في الكلام لا يحوم حوله نقض ولا إبرام.
إذا عرفت ذلك فاعلم ان الغصب ـ على ما عرفوه ـ عبارة عن إثبات اليد على حق الغير عدوانا وظلما. واحترزوا بقيد العدوان عن إثبات الوكيل يده على مال الموكل ، ونحوه المرتهن والولي والمستأجر والمستعير ، وظاهرهم عدم الاكتفاء بشاهد الحال اعني ظن رضا المالك في الخروج عن الغصب ، وبذلك ينقدح الاشكال ويقع الداء العضال في مثل هذه المسألة ، فإنه متى سافر الإنسان من بلد إلى أخرى مسيرة شهر أو أزيد أو انقص ، يجب عليه حينئذ حمل ماء مملوك معه إلى ان يتمكن من تحصيل ماء مباح أو مأذون أو مشتري ، ولا يجوز له الأخذ من المياه التي يمر بها في الطرق لدخولها في باب الغصب ، وفيه من المشقة والحرج والعسر المنفي بالآية والرواية (١) ما لا يخفى ، ولعله لذلك صرح جمع : منهم ـ الشهيدان بجواز الشرب والوضوء والغسل من نحو القناة المملوكة والدالية والدولاب مطلقا عملا بشاهد الحال إلا ان يغلب على الظن الكراهة ، ونفى عنه البعد في الكفاية ، وهو جيد ، وحينئذ لا فرق بين كون ذلك الماء مملوكا
__________________
(١) راجع الصحيفة ١٥١ من الجزء الأول.