العظمة ، على الالتفات.
والكتاب مراد به الكتاب المعهود. وعطف التوراة تمهيد لعطف الإنجيل ـ ويجوز أن يكون الكتاب بمعنى الكتابة ـ وتقدم الكلام على التوراة والإنجيل في أول السورة.
(وَرَسُولاً) عطف على جملة (يعلّمه) لأنّ جملة الحال ، لكونها ذات محل من الإعراب ، هي في قوة المفرد فنصب رسولا على الحال ، وصاحب الحال هو قوله بكلمة ، فهو من بقية كلام الملائكة.
وفتح همزة أنّ في قوله : (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ) لتقدير باء الجر بعد رسولا ، أي رسولا بهذا المقال لما تضمنه وصف رسولا من كونه مبعوثا بكلام ، فهذا مبدأ كلام بعد انتهاء كلام الملائكة.
ومعنى (جِئْتُكُمْ) أرسلت إليكم من جانب الله ونظيرة قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ) [الزخرف : ٦٣].
وقوله : (بِآيَةٍ) حال من ضمير (جِئْتُكُمْ) لأنّ المقصود الإخبار بأنه رسول لا بأنه جاء بآية. شبه أمر الله إياه بأن يبلّغ رسالة بمجيء المرسل من قوم إلى آخرين ولذلك سمّي النبي رسولا.
والباء في قوله (بِآيَةٍ) للملابسة أي مقارنا للآيات الدالة على صدقي في هذه الرسالة المعبّر عنها بفعل المجيء. والمجرور متعلق بجئتكم على أنه ظرف لغو ، ويجوز أن يكون ظرفا مستقرا في موضع الحال من (جِئْتُكُمْ) لأن معنى جئتكم : أرسلت إليكم ، فلا يحتاج إلى ما يتعلق به. وقوله : (أَنِّي أَخْلُقُ ـ بكسر الهمزة ـ استئناف لبيان آية وهي قراءة نافع ، وأبي جعفر. وقرأه الباقون بفتح همزة (أَنِّي) على أنه بدل من (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ).
والخلق : حقيقته تقدير شيء بقدر ، ومنه خلق الأديم تقديره بحسب ما يراد من قطعه قبل قطع القطعة منه قال زهير :
ولأنت تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري
يريد تقدير الأديم قبل قطعه والقطع هو الفري ، ويستعمل مجازا مشهورا أو مشتركا في الإنشاء ، والإبداع على غير مثال ولا احتذاء ، وفي الإنشاء على مثال يبدع ويقدّر ، قال تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ) [الأعراف : ١١] فهو إبداع الشيء وإبرازه للوجود