مجرور بحرف (في) والتقدير في معاملة الأمّيّين.
ومعنى ليس علينا في الأميين سبيل ليس علينا في أكل حقوقهم حرج ولا إثم ، فتعليق الحكم بالأميين أي ذواتهم مراد منه أعلق أحوالهم بالغرض الذي سبق له الكلام.
فالسبيل هنا طريق المؤاخذة ، ثم أطلق السبيل في كلام العرب مجازا مشهورا على المؤاخذة قال تعالى : (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) [التوبة : ٩١] وقال : (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ) [التوبة : ٩٣] وربما عبّر عنه العرب بالطريق قال حميد بن ثور :
وهل أنا إن علّلت نفسي بسرحة |
|
من السرح موجود عليّ طريق |
وقصدهم بذلك أن يحقروا المسلمين ، ويتطاولوا بما أوتوه من معرفة القراءة والكتابة من قبلهم. أو أرادوا الأميين بمعرفة التوراة ، أي الجاهلين : كناية عن كونهم ليسوا من أتباع دين موسى عليهالسلام.
وأيّاما كان فقد أنبأ هذا عن خلق عجيب فيهم ، وهو استخفافهم بحقوق المخالفين لهم في الدين ، واستباحة ظلمهم مع اعتقادهم أنّ الجاهل أو الأمّي جدير بأن يدحض حقه. والظاهر أنّ الذي جرّأهم على هذا سوء فهمهم في التوراة ، فإنّ التوراة ذكرت أحكاما فرّقت فيها بين الإسرائيلي وغيره في الحقوق ، غير أنّ ذلك فيما يرجع إلى المؤاساة والمخالطة بين الأمة ، فقد جاء في سفر التثنية الإصحاح الخامس عشر : «في آخر سبع سنين تعمل إبراء يبرئ كل صاحب دين يده ممّا أقرض صاحبه. الأجنبيّ تطالب ، وأما ما كان لك عند أخيك فتبرئة» وجاء في «الإصحاح» ٢٣ منه : «لا تقرض أخاك بربا فضة أو ربا طعام وللأجنبي تقرض بربا» ولكن شتان بين الحقوق وبين المؤاساة فإنّ تحريم الربا إنما كان لقصد المؤاساة ، والمؤاساة غير مفروضة مع غير أهل الملّة الواحدة. وعن ابن الكلبي قالت اليهود : الأموال كلّها كانت لنا ، فما في أيدي العرب منها فهو لنا ، وإنهم ظلمونا وغصبونا فلا إثم علينا في أخذ أموالنا منهم. وهذا الخلقان الذميمان اللذان حكاهما الله عن اليهود قد اتصف بهما كثير من المسلمين ، فاستحلّ بعضهم حقوق أهل الذمة ، وتأوّلوها بأنهم صاروا أهل حرب ، في حين لا حرب ولا ضرب.
وقد كذّبهم الله تعالى في هذا الزعم فقال : (وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) قال المفسرون : إنهم ادّعوا أنهم وجدوا ذلك في كتابهم. وروى عن سعيد بن جبير أنه لما نزل قوله تعالى : (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ ـ إلى قوله ـ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) قال