الشك عليهم في بعض ما نزل به القرآن ، فاللّيّ مجمل ، ولكنه مبين بقوله : (لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ) وقوله : (وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ).
واللّيّ في الأصل : الإراغة أي إدارة الجسم غير المتصلب إلى غير الصوب الذي هو ممتدّ إليه : فمن ذلك ليّ الحبل ، وليّ العنان للفرس لإدارته إلى جهة غير صوب سيره ، ومنه ليّ العنق ، وليّ الرأس بمعنى الالتفات الشزر والإعراض قال تعالى : (لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ) [المنافقون : ٥].
واللّي في هذه الآية يحتمل أن يكون حقيقة بمعنى تحريف اللسان عن طريق حرف من حروف الهجاء إلى طريق حرف آخر يقاربه لتعطي الكلمة في أذن السامع جرس كلمة أخرى ، وهذا مثل ما حكى الله عنهم في قولهم «راعنا» وفي الحديث من قولهم في السلام على النبي : «السام عليكم» أي الموت أو «السّلام ـ بكسر السين ـ عليك» وهذا اللّي يشابه الإشمام والاختلاس ومنه إمالة الألف إلى الياء ، وقد تتغير الكلمات بالترقيق والتفخيم وباختلاف صفات الحروف. والظاهر أنّ الكتاب هو التوراة فلعلهم كانوا إذا قرءوا بعض التوراة بالعربية نطقوا بحروف من كلماتها بين بين ليوهموا المسلمين معنى غير المعنى المراد ، وقد كانت لهم مقدرة ومراس في هذا.
وقريب من هذا ما ذكره المبرّد في الكامل أنّ بعض الأزارقة أعاد بيت عمر ابن أبي ربيعة في مجلس ابن عباس.
رأت رجلا أما إذا الشمس عارضت |
|
فيضحى وأما بالعشي فيخصر |
فجعل يضحى يحزى وجعل يخصر يخسر بالسين ليشوّه المعنى لأنه غضب من إقبال ابن عباس على سماع شعره. وفي الأحاجي والألغاز كثير من هذا كقولهم : إنّ للّاهي إلها فوقه فيقولها أحد بحضرة ناس ولا يشبع كسرة اللّاهي يخالها السامع لله فيظنه كفر. أو لعلهم كانوا يقرءون ما ليس من التوراة بالكيفيات أو اللحون التي كانوا يقرءون بها التوراة ليخيلوا للسامعين أنهم يقرءون التوراة.
ويحتمل أن يكون اللّي هنا مجازا عن صرف المعنى إلى معنى آخر كقولهم لوى الحجة أي ألقي بها على غير وجهها ، وهو تحريف الكلم عن مواضعه : بالتأويلات الباطلة ، والأقيسة الفاسدة ، والموضوعات الكاذبة ، وينسبون ذلك إلى الله ، وأياما كان فهذا اللّيّ يقصدون منه التمويه على المسلمين لغرض ، حكما فعل ابن صوريا في إخفاء