زمان غير ظرف والتقدير : واذكر إذ أخذ الله ميثاق النبيين ، فالمقصود الحكاية عن ذلك الزمان وما معه فيكون (قالَ أَأَقْرَرْتُمْ) معطوفا بحذف العاطف. كما هو الشأن في جمل المحاورة وكذلك قوله : (قالُوا أَقْرَرْنا).
ويصح أن تكون جملة (قالَ أَأَقْرَرْتُمْ) وما بعدها بيانا لجملة (أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ) باعتبار ما يقتضيه فعل أخذ الله ميثاق النبيين : من أنّ النبيين أعطوا ميثاقا لله فقال : أأقررتم قالوا : أقررنا إلخ. ويكون قوله : (لَما آتَيْتُكُمْ ـ إلى قوله ـ (وَلَتَنْصُرُنَّهُ) هو صيغة الميثاق.
وهذا الميثاق أخذه الله على جميع الأنبياء ، يؤذنهم فيه بأنّ رسولا يجيء مصدّقا لما معهم ، ويأمرهم بالإيمان به وبنصره ، والمقصود من ذلك إعلام أممهم بذلك ليكون هذا الميثاق محفوظا لدى سائر الأجيال ، بدليل قوله : (فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ) إلخ إذ لا يجوز على الأنبياء التولّي والفسق ولكنّ المقصود أممهم كقوله : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ). وبدليل قوله قال : (فَاشْهَدُوا) أي على أممكم. وإلى هذا يرجع ما ورد في القرآن من دعوة إبراهيم عليهالسلام : (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ) [البقرة : ١٢٩] ، وقد جاء في سفر التثنية قول موسى عليهالسلام : «قال لي الربّ أقيم لهم نبيئا من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكلّ ما أوصيه به». وإخوة بني إسرائيل هم بنو إسماعيل ، ولو كان المراد نبيئا إسرائيليا لقال أقيم لهم نبيئا منهم على ما في ترجمة التوراة من غموض ولعلّ النص الأصلي أصرح من هذا المترجم.
والبشارات في كتب أنبياء بني إسرائيل وفي الأناجيل كثيرة ففي متى قول المسيح «وتقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرين ولكنّ الذي يصبر ـ أي يبقى أخيرا ـ إلى المنتهى فهذا يخلص ويكرز (١) ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم ثم يأتي المنتهى» وفي إنجيل يوحنا قول المسيح «وأنا أطلب من الأب فيعطيكم معزّيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد ـ وأما المعزّي الروح القدس الذي سيرسله الأب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكّركم بكل ما قلته لكم ـ ومتى جاء المعزّي روح الحق الذي من عند الأب ينبثق فهو يشهد لي» إلى غير ذلك.
وفي أخذ العهد على الأنبياء زيادة تنويه برسالة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وهذا المعنى هو ظاهر
__________________
(١) وقعت كلمة يكرز في ترجمة إنجيل متّى ، ولعل معناها ويحسن تبليغ الدين.