المؤمنين بعد أن أنكر عليهم ضلالهم في نفوسهم ، وفصل بلا عطف للدلالة على استقلاله بالقصد ، ولو عطف لصحّ العطف.
والصدّ يستعمل قاصرا ومتعدّيا : يقال صدّه عن كذا فصدّ عنه. وقاصره بمعنى الإعراض. فمتعدّيه بمعنى جعل المصدود معرضا أي صرفه ، ويقال : أصدّه عن كذا ، وهو ظاهر.
وسبيل الله مجاز في الأقوال والأدلّة الموصلة إلى الدّين الحقّ. والمراد بالصدّ عن سبيل الله إمّا محاولة إرجاع المؤمنين إلى الكفر بإلقاء التشكيك عليهم. وهذا المعنى يلاقي معنى الكفر في قوله : (لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) على وجهيه الراجعين للمعنى الشّرعي. وإمّا صدّ النّاس عن الحجّ أي صدّ أتباعهم عن حجّ الكعبة ، وترغيبهم في حجّ بيت المقدس ، بتفضيله على الكعبة ، وهذا يلاقي الكفر بمعناه اللّغوي المتقدّم ، ويجوز أن يكون إشارة إلى إنكارهم القبلة في قولهم (ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) [البقرة : ١٤٢] لأنّ المقصود به صدّ المؤمنين عن استقبال الكعبة.
وقوله : (تَبْغُونَها عِوَجاً) أي تبغون السبيل فأنّث ضميره لأنّ السّبيل يذكّر ويؤنث: قال تعالى : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي) [يوسف : ١٠٨]. والبغي الطلب أي تطلبون. والعوج ـ بكسر العين وفتح الواو ـ ضدّ الاستقامة وهو اسم مصدر عوج كفرح ، ومصدره العوج كالفرح. وقد خصّ الاستعمال غالبا المصدر بالاعوجاج في الأشياء المحسوسة ، ، كالحائط والقناة. وخصّ إطلاق اسم المصدر بالاعوجاج الّذي لا يشاهد كاعوجاج الأرض والسطح ، وبالمعنويات كالدّين.
ومعنى (تَبْغُونَها عِوَجاً) يجوز أن يكون عوجا باقيا على معنى المصدرية ، فيكون (عِوَجاً) مفعول (تَبْغُونَها) ، ويكون ضمير النصب في تبغونها على نزع الخافض كما قالوا : شكرتك وبعتك كذا : أي شكرت لك وبعت لك ، والتقدير : وتبغون لها عوجا ، أي تتطلبون نسبة العوج إليها ، وتصوّرونها باطلة زائغة. ويجوز أن يكون عوجا ، وصفا للسبيل على طريقة الوصف بالمصدر للمبالغة ، أي تبغونها عوجاء شديدة العوج فيكون ضمير النصب في (تَبْغُونَها) مفعول تبغون ، ويكون عوجا حالا من ضمير النّصب أي ترومونها معوجّة أي تبغون سبيلا معوجّة وهي سبيل الشرك.
والمعنى : تصدّون عن السّبيل المستقيم وتريدون السّبيل المعوجّ ففي ضمير (تَبْغُونَها) استخدام لأنّ سبيل الله المصدود عنها هي الإسلام ، والسّبيل الّتي يريدونها هي