رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) [التوبة : ١٦] ويجوز أن تكون (من) للتبعيض و (دون) بمعنى غير كقوله تعالى (وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) [الفتح : ٢٧] من غير أهل ملّتكم ، وقد علم السامعون أنّ المنهي عن اتّخاذهم بطانة هم الذين كانوا يموّهون على المؤمنين بأنّهم منهم ، ودخائلهم تقتضي التّحذير من استبطانهم.
وجملة : (لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً) صفة لبطانة على الوجه الأول ، وهذا الوصف ليس من الأوصاف الظاهرة التي تفيد تخصيص النكرة عمّا شاركها ، لكنّه يظهر بظهور آثاره للمتوسّمين. فنهى الله المسلمين عن اتّخاذ بطانة هذا شأنها وسمتها ، ووكلهم إلى توسّم الأحوال والأعمال ، ويكون قوله (وَدُّوا ما عَنِتُّمْ) وقوله (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ) جملتين في محلّ الوصف أيضا على طريقة ترك عطف الصفات ، ويومئ إلى ذلك قوله : (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) أي : قد بيّنا لكم علامات عداوتهم بتلك الصفات إن كنتم تعقلون فتتوسّمون تلك الصّفات ، كما قال تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) وعلى الاحتمال الثاني يجعل (مِنْ دُونِكُمْ) وصفا ، وتكون الجمل بعده مستأنفات واقعة موقع التعليل للنّهي عن اتّخاذ بطانة من غير أهل ملّتنا ، وهذ الخلال ثابتة لهم فهي صالحة للتوصيف ، ولتعليل النّهي ، ذلك لأنّ العداوة النّاشئة عن اختلاف الدين عداوة متأصّلة لا سيما عداوة قوم يرون هذا الدّين قد أبطل دينهم ، وأزال حظوظهم. كما سنبينه.
ومعنى (لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً) لا يقصّرون في حبالكم ، والألو التقصير والترك ، وفعله ألا يألو ، وقد يتوسّعون في هذا الفعل فيعدّى إلى مفعولين ، لأنّهم ضمّنوه معنى المنع فيما يرغب فيه المفعول ، فقالوا لا آلوك جهدا ، كما قالوا لا أدّخرك نصحا ، فالظاهر أنّه شاع ذلك الاستعمال حتّى صار التضمين منسيا ، فلذلك تعدّى إلى ما يدلّ على الشرّ كما يعدّى إلى ما يدلّ على الخير ، فقال هنا : (لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً) أي لا يقصّرون في خبالكم ، وليس المراد لا يمنعونكم ، لأن الخبال لا يرغب فيه ولا يسأل.
ويحتمل أنّه استعمل في هذه الآية على سبيل التهكّم بالبطانة ، لأنّ شأن البطانة أن يسعوا إلى ما فيه خير من استبطنهم ، فلمّا كان هؤلاء بضدّ ذلك عبّر عن سعيهم بالضرّ ، بالفعل الذي من شأنه أن يستعمل في السعي بالخير.
والخبال اختلال الأمر وفساده ، ومنه سمّي فساد العقل خبالا ، وفساد الأعضاء.
وقوله (وَدُّوا ما عَنِتُّمْ) الود : المحبّة ، والعنت : التعب الشّديد ، أي رغبوا فيما يعنتكم و (ما) هنا مصدرية ، غير زمانية ، ففعل (عَنِتُّمْ) لمّا صار بمعنى المصدر زالت