(أَوْ يُعَذِّبَهُمْ).
ولكون التّذكير بيوم بدر وقع في خلال الإشارة إلى وقعة أحد ، كأنّ في هذا التّقسيم إيماء إلى ما يصلح بيانا لحكمة الهزيمة اللاحقة المسلمين يوم أحد ، إذ كان في استبقاء كثير من المشركين ، لم يصبهم القتل يومئذ ، ادّخار فريق عظيم منهم للإسلام فيما بعد ، بعد أن حصل رعبهم من المسلمين بوقعة بدر ، وإن حسبوا للمسلمين أي حساب بما شاهدوه من شجاعتهم يوم أحد ، وإن لم ينتصروا. ولا يستقيم أن يكون قوله : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) متعلّقا بأحوال يوم أحد : لأنّ سياق الكلام ينبو عنه ، وحال المشركين يوم أحد لا يناسبه قوله : (لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) إلى قوله : (خائِبِينَ).
ووقع في «صحيح مسلم» ، عن أنس بن مالك : أنّ النّبيء صلىاللهعليهوسلم شجّ وجهه ، وكسرت رباعيته يوم أحد ، وجاء المسلمون يمسحون الدم عن وجه نبيّهم ، فقال النّبيء ـ عليهالسلام ـ : «كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيّهم وهو يدعوهم إلى ربّهم» أي في حال أنّه يدعوهم إلى الخير عند ربّهم ، فنزلت الآية ، ومعناه : لا تستبعد فلاحهم. ولا شكّ أن قوله فنزلت هذه الآية متأوّل على إرادة : : فذكّر النّبيء صلىاللهعليهوسلم بهذه الآية ، لظهور أن ما ذكروه غير صالح لأن يكون سببا لأنّ النّبيء تعجّب من فلاحهم أو استبعده ، ولم يدّع لنفسه شيئا ، أو عملا ، حتّى يقال : «ليس لك من الأمر شيء». وروى الترمذي : أنّ النّبيء صلىاللهعليهوسلم دعا على أربعة من المشركين ، وسمّى أناسا ، فنزلت هذه الآية لنهيه عن ذلك ، ثمّ أسلموا. وقيل: إنّه همّ بالدعاء ، أو استأذن الله أن يدعو عليهم بالاستيصال ، فنهى. ويردّ هذه الوجوه ما في «صحيح مسلم» ، عن ابن مسعود ، قال : كأنّي انظر إلى رسول اللهصلىاللهعليهوسلم يحكي نبيئا من الأنبياء ضربه قومه ، وهو يمسح الدم عن وجهه ، وهو يقول : ربّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون. وورد أنّه لمّا شجّ وجهه يوم أحد قال له أصحابه : لو دعوت عليهم ، فقال : إنّي لم أبعث لعّانا ، ولكنّي بعثت داعيا ورحمة ، اللهمّ اهد قومي فإنّهم لا يعلمون. وما ثبت من خلقه صلىاللهعليهوسلم : أنّه كان لا ينتقم لنفسه.
وأغرب جماعة فقالوا نزل قوله : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) نسخا لما كان يدعو به النّبيء صلىاللهعليهوسلم في قنوته على رعل ، وذكوان ، وعصية ، ولحيان ، الّذين قتلوا أصحاب بئر معونة ، وسندهم في ذلك ما وقع في «البخاري» أنّ النّبيء صلىاللهعليهوسلم لم يزل يدعو عليهم ، حتّى أنزل الله : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ). قال ابن عطية : وهذا كلام ضعيف كله وليس هذا من مواضع الناسخ والمنسوخ. وكيف يصحّ أن تكون نزلت لنسخ ذلك وهي متوسطة بين