فيجوز أن تحمل على صريح لفظها ، فيكون المعنى نفي أن يكون للنّبي ، أي لقتاله الكفار بجيشه من المسلمين ، تأثير في حصول النّصر يوم بدر ، فإن المسلمين كانوا في قلّة من كلّ جانب من جوانب القتال ، أي فالنصر حصل بمحض فضل الله على المسلمين ، وهذا من معنى قوله : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [الأنفال: ١٧]. ولفظ (الأمر) من قوله : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) معناه الشأن ، و (أل) فيه للعهد ، أي من الشأن الذي عرفتموه وهو النّصر.
ويجوز أن تحمل الجملة على أنّها كناية عن صرف النّبيء ـ عليه الصلاة والسلام ـ عن الاشتغال بشأن ما صنع الله بالّذين كفروا ، من قطع طرفهم ، وكبتهم أو توبة عليهم ، أو تعذيب لهم : أي فذلك موكول إلينا نحقّقه متى أردنا ، ويتخلّف متى أردنا على حسب ما تقتضيه حكمتنا ، وذلك كالاعتذار عن تخلّف نصر المسلمين يوم أحد.
فلفظ (الأمر) بمعنى شأن المشركين. والتعريف فيه عوض عن المضاف إليه ، أي ليس لك من أمرهم اهتمام. وهذا تذكير بما كان للنّبي صلىاللهعليهوسلم يوم بدر من تخوّف ظهور المشركين عليه ، وإلحاحه في الدّعاء بالنّصر. ولعلّ النّبيء صلىاللهعليهوسلم كان يودّ استيصال جميع المشركين يوم بدر حيث وجد مقتضى ذلك وهو نزول الملائكة لإهلاكهم ، فذكّره الله بذلك أنّه لم يقدّر استيصالهم جميعا بل جعل الانتقام منهم ألوانا فانتقم من طائفة بقطع طرف منهم ، ومن بقيّتهم بالكبت ، وهو الحزن على قتلاهم ، وذهاب رؤسائهم ، واختلال أمورهم ، واستبقى طائفة ليتوب عليهم ويهديهم ، فيكونوا قوّة للمسلمين فيؤمنوا بعد ذلك ، وهم من آمن من أهل مكّة قبل الفتح ، ويوم الفتح : مثل أبي سفيان ، والحارث بن هشام أخي أبي جهل ، وعكرمة بن أبي جهل ، وصفوان بن أمية ، وخالد بن الوليد ، وعذّب طائفة عذاب الدنيا بالأسر ، أو بالقتل : مثل ابن خطل ، والنضر بن الحارث ، فلذلك قيل له : «ليس لك من الأمر شيء». ووضعت هذه الجملة بين المتعاطفات ليظهر أنّ المراد من الأمر هو الأمر الدائر بين هذه الأحوال الأربعة من أحوال المشركين ، أي ليس لك من أمر هذه الأحوال الأربعة شيء ولكنّه موكول إلى الله ، هو أعلم بما سيصيرون إليه وجعل هذه الجملة قبل قوله: (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) استئناس للنّبي صلىاللهعليهوسلم ، إذ قدّم ما يدلّ على الانتقام منهم لأجله ، ثمّ أردف بما يدلّ على العفو عنهم ، ثمّ أردف بما يدلّ على عقابهم ، ففي بعض هذه الأحوال إرضاء له من جانب الانتصار له ، وفي بعضها إرضاء له من جانب تطويعهم له. ولأجل هذا المقصد عاد الكلام إلى بقية عقوبات المشركين بقوله تعالى :