وجملة (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) تذييل أي كلّ نصر هو من الله لا من الملائكة. وإجراء وصفي العزيز الحكيم هنا لأنّهما أولى بالذكر في هذا المقام ، لأنّ العزيز ينصر من يريد نصره ، والحكيم يعلم من يستحق نصره وكيف يعطاه.
وقوله : (لِيَقْطَعَ طَرَفاً) متعلّق ب (النّصر) باعتبار أنّه علّة لبعض أحوال النصر ، أي ليقطع يوم بدر طرفا من المشركين.
والطّرف ـ بالتحريك ـ يجوز أن يكون بمعنى النّاحية ، ويخصّ بالنّاحية الّتي هي منتهى المكان ، قال أبو تمّام :
كانت هي الوسط المحميّ فاتّصلت |
|
بها الحوادث حتّى أصبحت طرفا |
فيكون استعارة لطائفة من المشركين كقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) [الرعد : ٤١] ويجوز أن يكون بمعنى الجزء المتطرّف من الجسد كاليدين والرجلين والرأس فيكون مستعارا هنا لأشراف المشركين ، أي ليقطع من جسم الشرك أهم أعضائه ، أي ليستأصل صناديد الّذين كفروا. وتنكير (طرفا) للتفخيم ، ويقال : هو من أطراف العرب ، أي من أشرافها وأهل بيوتاتها.
ومعنى (أَوْ يَكْبِتَهُمْ) يصيبهم بغمّ وكمد ، وأصل كبت كبد بالدال إذا أصابه في كبده. كقولهم : صدر إذا أصيب في صدره ، وكلي إذا أصيب في كليته ، ومتن إذا أصيب في متنه ، ورئي إذا أصيب في رئته ، فأبدلت الدال تاء وقد تبدل التاء دالا كقولهم : سبد رأسه وسبته أي حلقه. والعرب تتخيّل الغمّ والحزن مقرّه الكبد ، والغضب مقرّه الصّدر وأعضاء التنفّس. قال أبو الطيب يمدح سيف الدّولة حين سفره عن أنطاكية :
لأكبت حاسدا وأري عدوا |
|
كأنّهما وداعك والرّحيل |
وقد استقرى أحوال الهزيمة فإنّ فريقا قتلوا فقطع بهم طرف من الكافرين ، وفريقا كبتوا وانقلبوا خائبين ، وفريقا منّ الله عليهم بالإسلام ، فأسلموا ، وفريقا عذّبوا بالموت على الكفر بعد ذلك ، أو عذبوا في الدنيا بالذلّ ، والصغار ، والأسر ، والمنّ عليهم يوم الفتح ، بعد أخذ بلدهم و «أو» بين هذه الأفعال للتقسيم.
وهذا القطع والكبت قد مضيا يوم بدر قبل نزول هذه الآية بنحو سنتين ، فالتّعبير عنهما بصيغة المضارع لقصد استحضار الحالة العجيبة في ذلك النصر المبين العزيز النظير.
وجملة (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) معترضة بين المتعاطفات ، والخطاب للنّبيصلىاللهعليهوسلم ،