ويفضون بذلك إلى خلافات وتعصّبات. وكلّ من يتأوّل المتشابه على هواه ، بغير دليل على تأويله مستند إلى دليل واستعمال عربي.
وقد فهم أنّ المراد : التأويل بحسب الهوى ، أو التأويل الملقي في الفتنة ، بقرينة قوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) الآية ، كما فهم من قوله : (فَيَتَّبِعُونَ) أنّهم يهتمّون بذلك ، ويستهترون به ، وهذا ملاك التفرقة بين حال من يتيع المتشابه للإيقاع في الشك والإلحاد ، وبين حال من يفسّر المتشابه ويؤوّله إذا دعاه داع إلى ذلك. وفي «البخاري» ـ عن سعيد بن جبير ـ أنّ رجلا قال لابن عباس : «إني أجد في القرآن أشياء تختلف عليّ» قال : ما هو ـ قال : «فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون» ـ وقال ـ «وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون» وقال : «ولا يكتمون الله حديثا» وقال : «قالوا والله ربّنا ما كنّا مشركين» قال ابن عباس : «فلا أنساب بينهم في النفخة الأولى ثم النفخة الثانية أقبل بعضهم على بعض يتساءلون ، فأما قوله : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٢٣] فإن الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم فيقول المشركون : تعالوا نقل : «ما كنا مشركين ، فيختم الله على أفواههم فتنطق جوارحهم بأعمالهم فعند ذلك لا يكتمون الله حديثا». وأخرج البخاري ، عن عائشة : قالت «تلا رسول الله هذه الآية إلى قوله : (أُولُوا الْأَلْبابِ) [البقرة : ٢٦٩] ـ قالت ـ قال رسول الله : فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سماهم الله فاحذروهم».
ويقصد من قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ) التعريض بنصارى نجران ، إذ ألزموا المسلمين بأنّ القرآن يشهد لكون الله ثالث ثلاثة بما يقع في القرآن من ضمير المتكلم ومعه غيره من نحو خلقنا وأمرنا وقضينا ، وزعموا أنّ ذلك الضمير له وعيسى ومريم ولا شك أنّ هذا ـ إن صح عنهم ـ هو تمويه ؛ إذ من المعروف أنّ في ذلك الضمير طريقتين مشهورتين إما إرادة التشريك أو إرادة التعظيم فما أرادوا من استدلالهم هذا إلا التمويه على عامة الناس.
(وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ).
جملة حال أي وهم لا قبل لهم بتأويله ؛ إذ ليس تأويله لأمثالهم ، كما قيل في المثل : «ليس بعشّك فادرجي».
ومن هنا أمسك السلف عن تأويل المتشابهات ، غير الراجعة إلى التشريع ، فقال أبو