يخضعهم ، مقاومة مقاوم ، ولا أذى حاسد ، أو جاهل ، وفي الحديث الصّحيح ، في «البخاري» : أن خبّابا قال للنّبي صلىاللهعليهوسلم : «لقد لقينا من المشركين شدّة ألا تدعو الله» فقعد وهو محمّر وجهه فقال : «لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ، ما يصرفه ذلك عن دينه ، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشقّ باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه» الحديث.
وقوله تعالى : (وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) الآية عطف على (فَما وَهَنُوا) لأنّه لمّا وصفهم برباطة الجأش ، وثبات القلب ، وصفهم بعد ذلك بما يدلّ على الثبات من أقوال اللّسان الّتي تجري عليه عند الاضطراب والجزع ، أي أنّ ما أصابهم لم يخالجهم بسببه تردّد في صدق وعد الله ، ولا بدر منهم تذمّر ، بل علموا أنّ ذلك لحكمة يعلمها سبحانه ، أو لعلّه كان جزاء على تقصير منهم في القيام بواجب نصر دينه ، أو في الوفاء بأمانة التكليف ، فلذلك ابتهلوا إليه عند نزول المصيبة بقولهم : (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا) خشية أن يكون ما أصابهم جزاء على ما فرط منهم ، ثمّ سألوه النصر وأسبابه ثانيا فقالوا : (وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) فلم يصدّهم ما لحقهم من الهزيمة عن رجاء النّصر ، وفي «الموطأ» ، عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم «يستجاب لأحدكم ما لم يعجّل يقول : دعوت فلم يستجب لي» فقصر قولهم في تلك الحالة الّتي يندر فيها صدور مثل هذا القول ، على قولهم : (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا) إلى آخره ، فصيغة القصر في قوله : (وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا) قصر إضافي لردّ اعتقاد من قد يتوهّم أنّهم قالوا أقوالا تنبئ عن الجزع ، أو الهلع ، أو الشكّ في النّصر ، أو الاستسلام للكفار. وفي هذا القصر تعريض بالّذين جزعوا من ضعفاء المسلمين أو المنافقين فقال قائلهم : لو كلّمنا عبد الله بن أبي يأخذ لنا أمانا من أبي سفيان.
وقدّم خبر (كان) على اسمها في قوله : (وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا) لأنّه خبر عن مبتدأ محصور ، لأنّ المقصود حصر أقوالهم حينئذ في مقالة (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) فالقصر حقيقي لأنّه قصر لقولهم الصّادر منهم ، حين حصول ما أصابهم في سبيل الله ، فذلك القيد ملاحظ من المقام ، نظير القصر في قوله تعالى : (إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا) [النور : ٥١] فهو قصر حقيقي مقيّد بزمان خاص ، تقييدا منطوقا به ، وهذا أحسن من توجيه تقديم الخبر في الآية بأنّ المصدر المنسبك المؤوّل أعرف من المصدر الصّريح لدلالة المؤوّل على النسبة وزمان الحدث ،