السلب بعد العطاء.
وإذ اسم للزمن الماضي متصرّف ، وهي هنا متصرّفة تصرّفا قليلا ؛ لأنّها لمّا أضيف إليها الظرف ، كانت في معنى الظروف ، ولما كانت غير منصوبة كانت فيها شائبة تصرّف ، كما هي في يومئذ وحينئذ ، أي بعد زمن هدايتك إيانا.
وقوله : (وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) طلبوا أثر الدوام على الهدى وهو الرحمة ، في الدنيا والآخرة ، ومنع دواعي الزيغ والشر. وجعلت الرحمة من عند الله لأنّ تيسير أسبابها ، وتكوين مهيّئاتها ، بتقدير الله ؛ إذ لو شاء لكان الإنسان معرّضا لنزول المصائب والشرور في كلّ لمحة ؛ فإنّه محفوف بموجودات كثيرة ، حيّة وغير حيّة ، هو تلقاءها في غاية الضعف ، لو لا لطف الله به بإيقاظ عقله لاتّقاء الحوادث ، وبإرشاده لاجتناب أفعال الشرور المهلكة ، وبإلهامه إلى ما فيه نفعه ، وبجعل تلك القوى الغالبة له قوى عمياء لا تهتدي سبيلا إلى قصده ، ولا تصادفه إلّا على سبيل الندور ولهذا قال تعالى : (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ) [الشورى : ١٩] ومن أجلى مظاهر اللطف أحوال الاضطرار والالتجاء وقد كنت قلت كلمة «اللّطف عند الاضطرار».
والقصر في قوله : (إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) للمبالغة ، لأجل كمال الصفة فيه تعالى ؛ لأنّ هبات الناس بالنسبة لما أفاض الله من الخيرات شيء لا يعبأ به. وفي هذه الجملة تأكيد بإنّ ، وبالجملة الاسمية ، وبطريق القصر.
وقوله : (رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) استحضروا عند طلب الرحمة أحوج ما يكونون إليها ، وهو يوم تكون الرحمة سببا للفوز الأبدي ، فأعقبوا بذكر هذا اليوم دعاءهم على سبيل الإيجاز ، كأنّهم قالوا : وهب لنا من لدنك رحمة ، وخاصّة يوم تجمّع الناس كقول إبراهيم : (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) [إبراهيم : ٤١] على ما في تذكّر يوم الجمع من المناسبة بعد ذكر أحوال الغواة والمهتدين ، والعلماء الراسخين.
ومعنى (لا رَيْبَ فِيهِ) لا ريب فيه جديرا بالوقوع ، فالمراد نفي الريب في وقوعه. ونفوه على طريقه نفي الجنس لعدم الاعتداد بارتياب المرتابين ، هذا إذا جعلت (فيه) خبرا ، ولك أن تجعله صفة لريب وتجعل الخبر محذوفا على طريقة لا النافية للجنس ، فيكون التقدير : عندنا ، أو لنا.