بقرينة قوله ، في الآية التي بعد هذه : (سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ) [آل عمران : ١٢]. والوقود بفتح الواو ما يوقد به كالوضوء ، وقد تقدّم نظيره في قوله : (الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) في سورة البقرة.
وقوله : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) موقع كاف التشبيه موقع خبر لمبتدإ محذوف يدل عليه المشبّه به ، والتقدير : دأبهم في ذلك كدأب آل فرعون ، أي عادتهم وشأنهم كشأن آل فرعون.
والدأب : أصله الكدح في العمل وتكريره ، وكأنّ أصل فعله متعدّ ، ولذلك جاء مصدره على فعل ، ثم أطلق على العادة لأنّها تأتي من كثرة العمل ، فصار حقيقة شائعة قال النابغة :
كدأبك في قوم أراك اصطنعتهم
أي عادتك ، ثم استعمل بمعنى الشّأن كقول امرئ القيس :
كدأبك من أم الحويرث قبلها
وهو المراد هنا ، في قوله : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) ، والمعنى : شأنهم في ذلك كشأن آل فرعون ؛ إذ ليس في ذلك عادة متكرّرة ، وقد ضرب الله لهم هذا المثل عبرة وموعظة ؛ لأنّهم إذا استقروا الأمم التي أصابها العذاب ، وجدوا جميعهم قد تماثلوا في الكفر : بالله ، وبرسله ، وبآياته ، وكفى بهذا الاستقراء موعظة لأمثال مشركي العرب ، وقد تعيّن أن يكون المشبّه به هو وعيد الاستئصال والعذاب في الدنيا ؛ إذ الأصل أنّ حال المشبّه ، أظهر من حال المشبّه به عند السامع.
وعليه فالأخذ في قوله : (فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ) هو أخذ الانتقام في الدنيا كقوله : (أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) [الأنعام : ٤٤ ، ٤٥].
وأريد بآل فرعون فرعون وآله ؛ لأنّ الآل يطلق على أشدّ الناس اختصاصا بالمضاف إليه ، والاختصاص هنا اختصاص في المتابعة والتواطؤ على الكفر ، كقوله : (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) [غافر : ٤٦] فلذكر الآل هنا من الخصوصية ما ليس لذكر القوم ؛ إذ قوم الرجل قد يخالفون ، فلا يدل الحكم المتعلّق بهم على أنّه مساو لهم في الحكم ، قال تعالى : (أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ) [هود : ٦٠] في كثير من الآيات نظائرها ، وقال : (أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* قَوْمَ فِرْعَوْنَ) [الشعراء : ١٠ ، ١١].