يلزم أن تكون (من) مع هذا الفعل ، إذا عدّي بعن ، مماثلة لمن الواقعة بعد هذا الفعل الذي يعدّ بعن ، لإمكان اختلاف معنى التعلّق باختلاف مساق الكلام. والغالب أن يأتوا بعد فعل أغنى بلفظ (شيء) مع ذكر المتعلّقين كما في الآية ، وبدون ذكر متعلّقين ، كما في قول أبي سفيان ، يوم أسلم : «لقد علمت أن لو كان معه إله غيره لقد أغنى عنّي شيئا».
وانتصب قوله : (شَيْئاً) على النيابة عن المفعول المطلق أي شيئا من الغناء. وتنكيره للتحقير أي غناء ضعيفا ، بله الغناء المهم ، ولا يجوز أن يكون مفعولا به لعدم استقامة معنى الفعل في التعدي.
وقد ظهر بهذا كيفية تصرّف هذا الفعل التصرّف العجيب في كلامهم ، وانفتح لك ما انغلق من عبارة الكشّاف ، وما دونها ، في معنى هذا التركيب.
وقد مرّ الكلام على وقوع لفظ شيء عند قوله : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ) [البقرة : ١٥٥]. وإنّما خصّ الأموال والأولاد من بين أعلاق الذين كفروا ؛ لأنّ الغناء يكون بالفداء بالمال ، كدفع الديات والغرامات ، ويكون بالنصر والقتال ، وأولى من يدافع عن الرجل ، من عشيرته ، أبناؤه ، وعن القبيلة أبناؤها. قال قيس بن الخطيم :
ثأرت عديّا والخطيم ولم أضع |
|
ولاية أشياخ جعلت إزاءها |
والأموال المكاسب التي تقتات وتدّخر ويتعاوض بها ، وهي جمع مال ، وغلب اسم المال في كلام جلّ العرب على الإبل قال زهير :
صحيحات مال طالعات بمخرم
وغلب في كلام أهل الزرع والحرث على الجنّات والحوائط وفي الحديث «كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا وكان أحبّ أمواله إليه بئر حاء ، ويطلق المال غالبا على الدراهم والدنانير كما في قول النبي صلىاللهعليهوسلم للعباس «أين المال الذي عند أم الفضل».
والظاهر أنّ هذا وعيد بعذاب الدنيا ؛ لأنّه شبّه بأنّه (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ ـ إلى قوله ـ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ) وشأن المشبّه به أن يكون معلوما ؛ ولأنّه عطف عليه عذاب الآخرة في قوله : (وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ).
وجيء بالإشارة في قوله : (وَأُولئِكَ) لاستحضارهم كأنّهم بحيث يشار إليهم ، وللتنبيه على أنّهم أحرياء بما سيأتي من الخبر وهو قوله : (هُمْ وَقُودُ النَّارِ). وعطفت هذه الجملة ، ولم تفصل ، لأنّ المراد من التي قبلها لا وعيد في الدنيا وهذه في وعيد الآخرة