والإسلام علم بالغلبة على مجموع الدّين الذي جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم ، كما أطلق على ذلك الإيمان أيضا ، ولذلك لقب أتباع هذا الدين بالمسلمين وبالمؤمنين ، وهو الإطلاق المراد هنا ، وهو تسمية بمصدر أسلم إذا أذعن ولم يعاند إذعانا عن اعتراف بحق لا عن عجز ، وهذا اللقب أولى بالإطلاق على هذا الدين من لقب الإيمان ؛ لأنّ الإسلام هو المظهر البين لمتابعة الرسول فيما جاء به من الحق ، واطّراح كل حائل يحول دون ذلك ، بخلاف الإيمان فإنّه اعتقاد قلبي ، ولذلك قال الله تعالى : (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) [الحج : ٧٨] وقال : (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ) [آل عمران : ٢٠] ولأنّ الإسلام لا يكون إلّا عن اعتقاد لأنّ الفعل أثر الإدراك ، بخلاف العكس فقد يكون الاعتقاد مع المكابرة.
وربما أطلق الإسلام على خصوص الأعمال ؛ والإيمان على الاعتقاد ، وهو إطلاق مناسب لحالتي التفكيك بين الأمرين في الواقع ، كما في قوله تعالى ، خطابا لقوم أسلموا متردّدين ـ قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) [الحجرات: ١٤] ، أو التفكيك في تصوير الماهية عند التعليم لحقائق المعاني الشرعية أو اللغوية كما وقع في حديث جبريل : من ذكر معنى الإيمان ، والإسلام ، والإحسان.
والتعريف في الدين تعريف الجنس ؛ إذ لا يستقيم معنى العهد الخارجي هنا وتعريف الإسلام تعريف العلم بالغلبة : لأنّ الإسلام صار علما بالغلبة على الدين المحمّدي.
فقوله : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) صيغة حصر ، وهي تقتضي في اللسان حصر المسند إليه ، وهو الدين ، في المسند ، وهو الإسلام ، على قاعدة الحصر بتعريف جزئي الجملة ، أي لا دين إلا الإسلام ، وقد أكّد هذا الانحصار بحرف التوكيد.
وقوله : (عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) وصف للدين ، والعندية عندية الاعتبار والاعتناء وليست عندية علم : فأفاد ، أنّ الدين الصحيح هو الإسلام ، فيكون قصرا للمسند ، إليه باعتبار قيد فيه ، لا في جميع اعتباراته : نظير قول الخنساء :
إذا قبح البكاء على قتيل |
|
رأيت بكاءك الحسن الجميلا |
فحصرت الحسن في بكائه بقاعدة أنّ المقصور هو الحسن لأنّه هو المعرف باللّام ، وهذا الحصر باعتبار التقييد بوقت حج البكاء على القتلى وهو قصر حسن بكائها على ذلك الوقت ، ليكون لبكائها على صخر مزية زائدة على بكاء القتلى المتعارف وإن أبى اعتبار القصر في البيت أصلا صاحب المطوّل.