جنس والملك ـ بالضم ـ نوع منه وهو أعلى أنواعه ، ومعناه التصرّف في جماعة عظيمة ، أو أمة عديدة تصرّف التدبير للشئون ، وإقامة الحقوق ، ورعاية المصالح ، ودفع العدوان عنها ، وتوجيهها إلى ما فيه خيرها ، بالرغبة والرهبة. وانظر قوله تعالى : (قالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا) في سورة البقرة [٢٤٧] وقد تقدم شيء من هذا عند قوله تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [الفاتحة : ٤] ، فمعنى مالك الملك أنّه المتصرّف في نوع الملك (بالضم) بما يشاء ، بأن يراد بالملك هذا النوع. والتعريف في الملك الأول لاستغراق الجنس : أي كل ملك هو في الدنيا. ولما كان الملك ماهية من المواهي ، كان معنى كون الله مالك الملك أنّه المالك لتصريف الملك ، أي لإعطائه ، وتوزيعه ، وتوسيعه ، وتضييقه ، فهو على تقدير مضاف في المعنى.
والتعريف في الملك الثاني والثالث للجنس ، دون استغراق أي طائفة وحصّة من جنس الملك ، والتعويل في الفرق بين مقدار الجنس على القرائن. ولذلك بينت صفة مالك الملك بقوله : (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) [آل عمران : ٢٦] فإنّ إيتاءه ونزعه مقول عليه بالتشكيك : إيجابا ، وسلبا ، وكثرة وقلّة.
والنزع : حقيقة إزالة الجرم من مكانه : كنزع الثوب ، ونزع الماء من البئر ، ويستعار لإزالة الصفات والمعاني كما قال تعالى : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ) [الأعراف : ٤٣] بتشبيه المعنى المتمكّن بالذات المتّصلة بالمكان ، وتشبيه إزالته بالنزع ، ومنه قوله هنا : (تَنْزِعُ الْمُلْكَ) أي تزيل وصف الملك ممّن تشاء.
وقوله : (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) تمثيل للتصرّف في الأمر ؛ لأنّ المتصرّف يكون أقوى تصرّفه بوضع شيء بيده ، ولو كان لا يوضع في اليد ، قال عنترة بن الأخرس المعني الطائي :
فما بيديك خير أرتجيه |
|
وغير صدودك الخطب الكبير |
وهذا يعدّ من المتشابه لأنّ فيه إضافة اليد إلى ضمير الجلالة ، ولا تشابه فيه : لظهور المراد من استعماله في الكلام العربي. والاقتصار على الخير في تصرّف الله تعالى اكتفاء كقوله تعالى : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل : ٨١] أي والبرد.
وكان الخير مقتضى بالذات أصالة والشرّ مقتضى بالعرض قال الجلال الدواني في شرح ديباجة هياكل النور :
«وخص الخير هنا لأنّ المقام مقام ترجّي المسلمين الخير من الله ، وقد علم أنّ