كان ، بينهم وبين اليهود ، جوار وحلف في الجاهلية ، فداوموا عليه في الإسلام فكانوا يأنسون بهم ويستنيمون إليهم ، ومنهم أصحاب كعب بن الأشرف ، وأبي رافع ابن أبي الحقيق ، وكانا يؤذيان رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
الحالة الثالثة : كذلك ، بدون أن يكون طوائف الكفّار متجاهرين ببغض المسلمين ولا بأذاهم ، كما كان نصارى العرب عند ظهور الإسلام قال تعالى : (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا ، الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى) [المائدة : ٨٢] وكذلك كان حال الحبشة فإنّهم حموا المؤمنين ، وآووهم ، قال الفخر : وهذه واسطة ، وهي لا توجب الكفر ، إلّا أنّه منهيّ عنه ، إذ قد يجرّ إلى استحسان ما هم عليه وانطلاء مكائدهم على المسلمين.
الحالة الرابعة : موالاة طائفة من الكفّار لأجل الإضرار بطائفة معيّنة من المسلمين مثل الانتصار بالكفّار على جماعة من المسلمين ، وهذه الحالة أحكامها متفاوتة ، فقد قال مالك ، في الجاسوس يتجسس للكفّار على المسلمين : إنّه يوكل إلى اجتهاد الإمام ، وهو الصواب لأنّ التجسس يختلف المقصد منه إذ قد يفعله المسلم غرورا ، ويفعله طمعا ، وقد يكون على سبيل الفلتة ، وقد يكون له دأبا وعادة ، وقال ابن القاسم : ذلك زندقة لا توبة فيه ، أي لا يستتاب ويقتل كالزنديق ، وهو الذي يظهر الإسلام ويسر الكفار ، إذا اطّلع عليه ، وقال ابن وهب ردّة ويستتاب ، وهما قولان ضعيفان من جهة النظر.
وقد استعان المعتمد ابن عباد صاحب أشبيلية بالجلالقة على المرابطين اللمتونيين ، فيقال : إنّ فقهاء الأندلس أفتوا أمير المسلمين عليا بن يوسف بن تاشفين ، بكفر ابن عبّاد ، فكانت سبب اعتقاله ولم يقتله ولم ينقل أنّه استتابه.
الحالة الخامسة : أن يتّخذ المؤمنون طائفة من الكفّار أولياء لنصر المسلمين على أعدائهم ، في حين إظهار أولئك الكفار محبة المسلمين وعرضهم النصرة لهم ، وهذه قد اختلف العلماء في حكمها : ففي المدوّنة قال ابن القاسم : لا يستعان بالمشركين في القتال لقوله عليهالسلام لكافر تبعه يوم خروجه إلى بدر : «ارجع فلن أستعين بمشرك» وروى أبو الفرج ، وعبد الملك بن حبيب : أنّ مالكا قال : لا بأس بالاستعانة بهم عند الحاجة ، قال ابن عبد البر : وحديث «لن أستعين بمشرك» مختلف في سنده ، وقال جماعة : هو منسوخ ، قال عياض : حمله بعض علمائنا على أنّه كان في وقت خاص واحتجّ هؤلاء بغزو صفوان بن أمية مع النبي صلىاللهعليهوسلم ، في حنين ، وفي غزوة الطائف ، وهو يومئذ غير مسلم ، واحتجوا أيضا بأنّ النبي صلىاللهعليهوسلم لما بلغه أنّ أبا سفيان يجمع الجموع ليوم أحد قال لبني