دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ) [المائدة : ٥٧] وإلى هذا الوجه مال الفخر.
واسم الإشارة في قوله : (ذلِكَ) بمعنى ذلك المذكور ، وهو مضمون قوله : (أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ).
والآية نهي عن موالاة الكافرين دون المؤمنين باعتبار القيد أو مطلقا ، والموالاة تكون بالظاهر والباطن وبالظاهر فقط ، وتعتورها أحوال تتبعها أحكام ، وقد استخلصت من ذلك ثمانية أحوال.
الحالة الأولى : أن يتّخذ المسلم جماعة الكفر ، أو طائفته ، أولياء له في باطن أمره ، ميلا إلى كفرهم ، ونواء لأهل الإسلام ، وهذه الحالة كفر ، وهي حال المنافقين ، وفي حديث عتبان بن مالك : أنّ قائلا قال في مجلس رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أين مالك بن الدّخشن» ، فقال آخر : «ذلك منافق لا يحبّ الله ورسوله» فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا تقل ذلك أما سمعته يقول لا إله إلّا الله يبتغي بذلك وجه الله» فقال القائل : «الله ورسوله أعلم فإنّا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين». فجعل هذا الرجل الانحياز إلى المنافقين علامة على النفاق لو لا شهادة الرسول لمالك بالإيمان أي في قلبه مع إظهاره بشهادة لا إله إلّا الله.
الحالة الثانية : الركون إلى طوائف الكفر ومظاهرتهم لأجل قرابة ومحبة دون الميل إلى دينهم ، في وقت يكون فيه الكفّار متجاهرين بعداوة المسلمين ، والاستهزاء بهم ، وإذا هم كما كان معظم أحوال الكفّار ، عند ظهور الإسلام مع عدم الانقطاع عن مودة المسلمين ، وهذه حالة لا توجب كفر صاحبها ، إلّا أنّ ارتكبها إثم عظيم ، لأنّ صاحبها يوشك أن يواليهم على مضرة الإسلام ، على أنّه من الواجب إظهار الحميّة للإسلام ، والغيرة عليه ، كما قل العتابي :
تودّ عدوّي ثم تزعم أنّني |
|
صديقك إنّ الرأي عنك لعازب |
وفي مثلها نزل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِياءَ) [المائدة : ٩] قال ابن عطية : كانت كفّار قريش من المستهزئين» وفي مثل ذلك ورد قوله تعالى : (إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) [الممتحنة : ٩] الآية وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً) [آل عمران : ١١٨] الآية نزلت في قوم