(أُنْثى) إذ بدون الحال لا يكون الكلام مفيدا فلذلك أنّث الضمير باعتبار تلك الحال.
وقوله : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) جملة معترضة ، وقرأ الجمهور : وضعت ـ بسكون التاء ـ فيكون الضمير راجعا إلى امرأة عمران. وهو حينئذ من كلام الله تعالى وليس من كلامها المحكي ، والمقصود منه : أنّ الله أعلم منها بنفاسة ما وضعت ، وأنها خير من مطلق الذكر الذي سألته ، فالكلام إعلام لأهل القرآن بتغليطها ، وتعليم بأنّ من فوّض أمره إلى الله لا ينبغي أن يتعقّب تدبيره.
وقرأ ابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم ، ويعقوب : بضم التاء ، على أنها ضمير المتكلمة امرأة عمران فتكون الجملة من كلامها المحكي ، وعليه فاسم الجلالة التفات من الخطاب إلى الغيبة فيكون قرينة لفظية على أنّ الخبر مستعمل في التحسر.
وجملة (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) خبر مستعمل في التحسر لفوات ما قصدته في أن يكون المولود ذكرا ، فتحرره لخدمة بيت المقدس.
وتعريف الذكر تعريف الجنس لما هو مرتكز في نفوس الناس من الرغبة في مواليد الذكور ، أي ليس جنس الذكر مساويا لجنس الأنثى. وقيل : التعريف في (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى) تعريف العهد للمعهود في نفسها. وجملة (وَلَيْسَ الذَّكَرُ) تكملة للاعتراض المبدوء بقوله : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) والمعنى : وليس الذكر الذي رغبت فيه بمساو للأنثى التي أعطيتها لو كانت تعلم علوّ شأن هاته الأنثى وجعلوا نفي المشابهة على بابه من نفي مشابهة المفضول للفاضل وإلى هذا مال صاحب «الكشاف» وتبعه صاحب «المفتاح» والأول أظهر.
ونفي المشابهة بين الذكر والأنثى يقصد به معنى التفصيل في مثل هذا المقام وذلك في قول العرب : ليس سواء كذا وكذا ، وليس كذا مثل كذا ، ولا هو مثل كذا ، كقوله تعالى : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الزمر : ٩] ـ وقوله ـ يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) [الأحزاب : ٣٢] وقول السموأل :
فليس سواء عالم وجهول
وقولهم : «مرعى ولا كالسعدان ، وماء ولا كصدّى».
ولذلك لا يتوخون أن يكون المشبه في مثله أضعف من المشبه به ؛ إذ لم يبق للتشبيه أثر ، ولذلك قيل هنا : وليس الذكر كالأنثى ، ولو قيل : وليست الأنثى كالذكر لفهم