ولكنها تبتدئ فجأة بأنّ عذراء في بلد الناصرة مخطوبة ليوسف النجار ، قد حملت من غير زوج.
والعرب يطلقون اسم مريم على المرأة المترجّلة التي تكثر مجالسة الرجال كما قال رؤبة : قلت لزير لم تصله مريمه.
(والزير بكسر الزاي الذي يكثر زيارة النساء) وقال في «الكشاف» : مريم في لغتهم ـ أي لغة العبرانيين ـ بمعنى العابدة.
وتكرّر فعل (اصْطَفاكِ) لأنّ الاصطفاء الأول اصطفاء ذاتي ، وهو جعلها منزّهة زكية ، والثاني بمعنى التفضيل على الغير. فلذلك لم يعدّ الأول إلى متعلّق. وعديّ الثاني. ونساء العالمين نساء زمانها ، أو نساء سائر الأزمنة. وتكليم الملائكة والاصطفاء يدلان على نبوءتها والنبوءة تكون للنساء دون الرسالة.
وإعادة النداء في قول الملائكة : (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي) لقصد الإعجاب بحالها ، لأنّ النداء الأول كفى في تحصيل المقصود من إقبالها لسماع كلام الملائكة ، فكان النداء الثاني مستعملا في مجرّد التنبيه الذي ينتقل منه إلى لازمه وهو التنويه بهذه الحالة والإعجاب بها ، ونظيره قول امرئ القيس :
تقول وقد مال الغبيط بنامعا |
|
عقرت بعيري يا إمرأ القيس فانزل |
(فهو مستعمل في التنبيه المنتقل منه إلى التوبيخ).
والقنوت ملازمة العبادة ، وتقدم عند قوله تعالى : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) في سورة البقرة [٢٣٨].
وقدم السجود ، لأنّ أدخل في الشكر والمقام هنا مقام شكر.
وقوله : (مَعَ الرَّاكِعِينَ) إذن لها بالصلاة مع الجماعة ، وهذه خصوصية لها من بين نساء إسرائيل إظهارا لمعنى ارتفاعها عن بقية النساء ، ولذلك جيء في الراكعين بعلامة جمع التذكير.
وهذا الخطاب مقدمة للخطاب الذي بعده وهو (يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ [آل عمران : ٤٥] لقصد تأنيسها بالخبر الموالي لأنه لما كان حاصله يجلب لها حزنا وسوء قالة بين الناس ، مهّد له بما يجلب إليها مسرّة ، ويوقنها بأنّها بمحل عناية الله ، فلا جرم أن