أضيف يقال : بواديك ولا يقال بوادك.
والمقدّس : المطهّر المنزّه. وتقدم في قوله تعالى : (وَنُقَدِّسُ لَكَ) في أول البقرة [٣٠]. وتقديس الأمكنة يكون بما يحلّ فيها من الأمور المعظمة وهو هنا حلول الكلام الموجه من قبل الله تعالى.
واختلف المفسرون في معنى (طُوىً) وهو بضم الطاء وبكسرها ، ولم يقرأ في المشهور إلّا بضم الطاء ، فقيل : اسم لذلك المكان ، وقيل : هو اسم مصدر مثل هدى ، وصف بالمصدر بمعنى اسم المفعول ، أي طواه موسى بالسير في تلك الليلة ، كأنه قيل له : إنك بالواد المقدّس الذي طويته سيرا ، فيكون المعنى تعيين أنه هو ذلك الواد. وأحسن منه على هذا الوجه أن يقال هو أمر لموسى بأن يطوي الوادي ويصعد إلى أعلاه لتلقي الوحي. وقد قيل : إنّ موسى صعد أعلى الوادي. وقيل : هو بمعنى المقدس تقديسين ، لأن الطي هو جعل الثوب على شقين ، ويجيء على هذا الوجه أن تجعل التثنية كناية عن التكرير والتضعيف مثل : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) [الملك : ٤]. فالمعنى : المقدّس تقديسا شديدا. فاسم المصدر مفعول مطلق مبيّن للعدد ، أي المقدّس تقديسا مضاعفا.
والظاهر عندي : أنّ (طُوىً) اسم لصنف من الأودية يكون ضيقا بمنزلة الثوب المطوي أو غائرا كالبئر المطوية ، والبئر تسمى طويّا. وسمي واد بظاهر مكة (ذا طوى) بتثليث الطاء ، وهو مكان يسن للحاج أو المعتمر القادم إلى مكة أن يغتسل عنده.
وقد اختلف في (طوى) هل ينصرف أو يمنع من الصرف بناء على أنه اسم أعجمي أو لأنه معدول عن طاو ، مثل عمر عن عامر.
وقرأ الجمهور (طُوىً) بلا تنوين على منعه من الصرف. وقرأه ابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف منوّنا ، لأنه اسم واد مذكّر.
وقوله (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) أخبر عن اختيار الله تعالى موسى بطريق المسند الفعلي المفيد تقوية الحكم ، لأنّ المقام ليس مقام إفادة التخصيص ، أي الحصر نحو : أنا سعيت في حاجتك ، وهو يعطي الجزيل. وموجب التقوّي هو غرابة الخبر ومفاجأته به دفعا لتطرّق الشك في نفسه.
والاختيار : تكلف طلب ما هو خير. واستعملت صيغة التكلف في معنى إجادة طلب الخير.