النصح له ، وكونه أخاه أقوى في المناصحة ، وكونه الأخ الخاصّ لأنه معلوم عنده بأصالة الرأي.
وجملة (اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي) على قراءة الجمهور بصيغة الأمر في فعلي (اشْدُدْ) ، و (أَشْرِكْهُ) بيان لجملة (اجْعَلْ لِي وَزِيراً). سأل الله أن يجعله معينا له في أعماله ، وسأله أن يأذن له بأن يكون شريكا لموسى في أمره ، أي أمر رسالته.
وقرأ ابن عامر بصيغة المتكلم ـ بفتح الهمزة المقطوعة ـ في «اشدد» ـ وبضم همزة ـ «أشركه» ، فالفعلان إذن مجزومان في جواب الدعاء كما جزم (يَفْقَهُوا قَوْلِي).
و (هارُونَ) مفعول أول لفعل (اجْعَلْ) ، قدم عليه المفعول الثاني للاهتمام.
والشد : الإمساك بقوّة.
والأزر : أصله الظهر. ولما كان الظهر مجمع حركة الجسم وقوام استقامته أطلق اسمه على القوّة إطلاقا شائعا يساوي الحقيقة فقيل الأزر للقوّة.
وقيل : آزره إذا أعانه وقوّاه. وسمي الإزار إزارا لأنّه يشدّ به الظهر ، وهو في الآية مراد به الظهر ليناسب الشدّ ، فيكون الكلام تمثيلا لهيئة المعين والمعان بهيئة مشدود الظهر بحزام ونحوه وشادّه.
وعلّل موسى عليهالسلام سؤاله تحصيل ما سأله لنفسه ولأخيه ، بأن يسبّحا الله كثيرا ويذكرا الله كثيرا. ووجه ذلك أنّ فيما سأله لنفسه تسهيلا لأداء الدعوة بتوفر آلاتها ووجود العون عليها ، وذلك مظنة تكثيرها.
وأيضا فيما سأله لأخيه تشريكه في الدعوة ولم يكن لأخيه من قبل ، وذلك يجعل من أخيه مضاعفة لدعوته ، وذلك يبعث أخاه أيضا على الدعوة. ودعوة كلّ منهما تشتمل على التعريف بصفات الله وتنزيهه فهي مشتملة على التسبيح ، وفي الدعوة حثّ على العمل بوصايا الله تعالى عباده ، وإدخال الأمة في حضرة الإيمان والتّقوى ، وفي ذلك إكثار من ذكر الله بإبلاغ أمره ونهيه. ألا ترى إلى قوله تعالى بعد هذه الآيات (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي) [طه : ٤٢] ، أي لا تضعفا في تبليغ الرسالة ، فلا جرم كان في تحصيل ما دعا به إكثار من تسبيحهما وذكرهما الله.
وأيضا في التعاون على أداء الرسالة تقليل من الاشتغال بضرورات الحياة ، إذ يمكن