وجملة (إِنَّهُ طَغى) تعليل للأمر بأن يذهبا إليه. فعلم أنه لقصد كفّه عن طغيانه.
وفعل (طَغى) رسم في المصحف آخره ألفا ممالة ، أي بصورة الياء للإشارة إلى أنّه من طغي مثل رضي. ويجوز فيه الواو فيقال : يطغو مثل يدعو.
والقول الليّن : الكلام الدال على معاني الترغيب والعرض واستدعاء الامتثال ، بأن يظهر المتكلّم للمخاطب أنّ له من سداد الرأي ما يتقبّل به الحق ويميّز به بين الحق والباطل مع تجنب أن يشتمل الكلام على تسفيه رأي المخاطب أو تجهيله.
فشبه الكلام المشتمل على المعاني الحسنة بالشيء الليّن.
واللين ، حقيقة من صفات الأجسام ، وهو : رطوبة ملمس الجسم وسهولة ليّه ، وضد الليّن الخشونة. ويستعار الليّن لسهولة المعاملة والصفح. وقال عمرو بن كلثوم :
فإن قناتنا يا عمرو أعيت |
|
على الأعداء قبلك أن تلينا |
واللين من شعار الدعوة إلى الحق ، قال تعالى : (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل: ١٢٥] وقال : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) [آل عمران : ١٥٩]. ومن اللين في دعوة موسى لفرعون قوله تعالى : (فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى) [النازعات : ١٨ ، ١٩] وقوله : (وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى) [الكهف : ٤٧] ، إذ المقصود من دعوة الرسل حصول الاهتداء لا إظهار العظمة وغلظة القول بدون جدوى. فإذا لم ينفع اللين مع المدعوّ وأعرض واستكبر جاز في موعظته الإغلاظ معه ، قال تعالى : (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) [العنكبوت : ٤٦] ، وقال تعالى عن موسى : (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنا أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) [طه : ٤٨].
والتّرجي المستفاد من (لعلّ) إما تمثيل لشأن الله في دعوة فرعون بشأن الراجي ، وإما أن يكون إعلاما لموسى وفرعون بأن يرجوا ذلك ، فكان النطق بحرف الترجي على لسانهما ، كما تقول للشخص إذا أشرت عليه بشيء : فلعلّه يصادفك تيسير ، وأنت لا تريد أنّك ترجو ذلك ولكن بطلب رجاء من المخاطب. وقد تقدمت نظائره في القرآن غير مرّة.
والتذكّر : من الذّكر ـ بضم الذال ـ أي النظر ، أي لعلّه ينظر نظر المتبصّر فيعرف الحق أو يخشى حلول العقاب به فيطيع عن خشية لا عن تبصر. وكان فرعون من أهل الطغيان واعتقاد أنه على الحق ، فالتذكر : أن يعرف أنه على الباطل ، والخشية : أن يتردد في ذلك فيخشى أن يكون على الباطل فيحتاط لنفسه بالأخذ بما دعاه إليه موسى.