وفرعون من المحاورة. فيجوز أن تكون الجملة معطوفة على جملة : (قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى) [طه : ٤٩] باعتبار ما يقدّر قبل المعطوف عليها من كلام حذف اختصارا ، تقديره : فأتياه فقالا ما أمرناهما أن يقولاه قال فمن ربّكما إلخ. المعنى : فأتياه وقالا ما أمرناهما وأريناه آياتنا كلها على يد موسى ـ عليهالسلام ـ.
ويجوز أن تكون الجملة معترضة بين ما قبلها ، والواو اعتراضيّة.
وتأكيد الكلام بلام القسم و (قد) مستعمل في التعجيب من تصلّب فرعون في عناده ، وقصد منها بيان شدّته في كفره وبيان أن لموسى آيات كثيرة أظهرها الله لفرعون فلم تجد في إيمانه.
وأجملت وعممت فلم تفصل ، لأنّ المقصود هنا بيان شدّة تصلبه في كفره بخلاف آية سورة الأعراف التي قصد منها بيان تعاقب الآيات ونصرتها.
وإراءة الله إياه الآيات : إظهارها له بحيث شاهدها.
وإضافة (آيات) إلى ضمير الجلالة هنا يفيد تعريفا لآيات معهودة ، فإن تعريف الجمع بالإضافة ـ يأتي لما يأتي له التعريف باللّام ـ يكون للعهد ويكون للاستغراق ، والمقصود هنا الأول ، أي أرينا فرعون آياتنا التي جرت على يد موسى ، وهي المذكورة في قوله تعالى : (فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ) [النمل : ١٢]. وهي انقلاب العصا حيّة ، وتبدّل لون اليد بيضاء ، وسنو القحط ، والجراد ، والقمّل ، والضفادع ، والدم ، والطوفان ، وانفلاق البحر. وقد استمر تكذيبه بعد جميعها حتى لما رأى انفلاق البحر اقتحمه طمعا للظفر ببني إسرائيل.
وتأكيد الآيات بأداة التوكيد (كُلَّها) لزيادة التعجيب من عناده. ونظيره قوله تعالى: (وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ* كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها) في سورة القمر [٤١ ، ٤٢].
وظاهر صنيع المفسرين أنهم جعلوا جملة (وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا) عطفا على جملة (قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى) [طه : ٤٩] ، وجملة (قالَ فَمَنْ رَبُّكُما) بيانا لجملة (فَكَذَّبَ وَأَبى). فيستلزم ذلك أن يكون عزم فرعون على إحضار السحرة متأخّرا عن إرادة الآيات كلها فوقعوا في إشكال صحة التعميم في قوله تعالى : (آياتِنا كُلَّها). وكيف يكون ذلك قبل اعتراف السحرة بأنهم غلبوا مع أن كثيرا من الآيات إنما ظهر بعد زمن طويل مثل : سني القحط ، والدم ، وانفلاق البحر. وهذا الحمل لا داعي إليه لأنّ العطف بالواو لا يقتضي ترتيبا.